بعد يومين بالتمام، يستعيد لبنان أفظع وأبشع ذكرى في تاريخه الحديث. حدث أليم أبكى الملايين حول العالم وحرّك مشاعر الانسانية جمعاء، الا من سَلخوا انسانيتهم عن اخلاقهم وسحقوا ضمائرهم واستوطن الشر قلوبهم فلم تعد تحركهم الا غرائزهم الهدّامة، وما اكثرهم على المستوى القيادي في لبنان.
بعد يومين تحّل الذكرى السنوية الاولى لتفجير مرفأ بيروت بنيترات امونيوم خزّنه مسؤولون لبنانيون، ايا تكن درجة مسؤولياتهم ، ولأي مصلحة اوهدف، لا يهم، فالأهم انهم دمروا قلب الوطن وقتلوا اكثر من 200 روح وعلّقوا الالاف بين الحياة والموت وسرقوا ما تبقى من احلام وآمال اللبنانيين، فهذا الجرم الاعظم الواجب ان يُحاسبوا عليه حسابا عسيرا بحجم الآم ووجع اهالي الضحايا المراهنين حتى الساعة على كشف هوية هؤلاء والاقتصاص منهم بالعدالة، التي ما زالوا يسعون بقوة من ابراجهم العالية الى عرقلة مسارها وطمس معالم جريمة العصر. واذا صح ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية عن مصدر قضائي مطلع اليوم عن ان “القاضي طارق البيطار انهى اكثر من 75 في المئة من التحقيق السري بامتياز وباتت صورة ما حصل شبه جاهزة امامه ويأمل بكشف نتائج تحقيقه قبل نهاية العام” فإن لحظة الحقيقة لن تكون بعيدة وفرص تحقيق عدالة الارض قبل السماء كبيرة.
بعد 48 ساعة سيتحرك لبنان من اقصاه الى ادناه، تهيبا للذكرى ومطالبة بالعدالة التي انتظرها اللبنانيون عاما كاملا من دون بلوغها. قداس مركزي لاهالي الشهداء، مسيرات شعبية وصلوات، وقفات تضامنية احتجاجية، مفاجآت من العيار الثقيل يتوعد بها الثوار والاهالي ان لم يتم التجاوب مع مطالبهم، نشاطات وصرخات ووقفات في دول الانتشار اللبناني، زيارات تفقدية لمسؤولين دوليين وفنانين من العالم لبيروت الجريحة. مؤتمر دولي من اجل دعم لبنان ينعقد في باريس بمشاركة اعظم دول العالم مساهمة في انقاذ الشعب من براثن زعمائه الذين التفوا على ثورته النظيفة، فأجهضوها بأدواتهم المعهودة لكنهم لم يتمكنوا من اجهاض روحها الداعية ابدا الى اسقاطهم جميعا عن عروشهم، لاعادة بناء لبنان الدولة.
في يوم الحداد الوطني، يتهافت العالم على المساعدة والانقاذ. حتى الرئيس الاميركي جو بايدن، سيشارك في مؤتمر دعم الشعب اللبناني الذي ينظمه الرئيس ايمانويل ماكرون لجمع 350 مليون دولار من الاسرة الدولية. لكنّ هؤلاء جميعهم في مقلب ومسؤولو لبنان في مقلب آخر، يعيشون في عالمهم الخاص بتناتش الحصص وتحصيل المكاسب السلطوية والسعي لتأمين منصب رئاسي وكأن البلد بألف خير. لا تنفع معهم الصرخات ولا المناشدات ولا التحذيرات الدولية من خطر الانهيار ولا القلق على مصير ووجود بلد الارز، في مفارقة تراها مصادر دبلوماسية غربية عبر “المركزية” خارجة عن المنطق والعقل وما يتصل بهما.
وتقول: لم يعد من عاقل يستوعب الطريقة التي يدير بها قادة لبنان هذا الوطن المهشّم لكثرة ما جرّحوه ونكّلوا به وبأبنائه، وهم في لحظة ينكب العالم بأسره ويجتمع للبحث في سبل انقاذه، ما زالوا يمعنون في تخريبه غير آبهين بما يحل به، وعوض المسارعة بعد تكليف ثلاثة رؤساء منذ انفجار 4 آب،تشكيل حكومة تشرع في المسار الاصلاحي قبل فوات الاوان، يمضون في مناكفاتهم التي تعيق ابصار الحكومة النور بحجة التمسك بحقيبة هنا ومطلب طائفي هناك، فيما البقية الباقية من السياسيين يظلل الهاجس الانتخابي ممارساتها لتأمين فوز لم يعد سهل المنال، بحسب ما تؤكد استطلاعات رأي ودراسات اجرتها مؤسسات دولية تثبت تراجع شعبية الاحزاب لمصلحة القوى المستقلة والمجتمع المدني ومجموعات الثورة المنظّمة.
إن ممارسات المنظومة الحاكمة هذه، الخارجة عن المعقول والمقبول، تختم المصادر سترتد عليها في وقت لم يعد بعيدا، وإبر المورفين التي تضخها في عروق الجسد اللبناني المتهالك سيتلاشى مفعولها، وإن فقد اللبنانيون زمام المبادرة، فالمجتمع الدولي لن يفقدها واجراءاته في مواجهة “خاطفي لبنان” من شأنها ان تعيده الى شعبه الحر، ولو بعد حين.