أقامت الجامعة الأنطونية حفل تخرج للعام 2021، تخلله توزيع شهادات على طلابها من فروع الجامعة في الحدت-بعبدا، والنبي أيلا-زحلة، ومجدليا-زغرتا، ومن مختلف الاختصاصات. حضر الاحتفال الذي أقيم في حرم الجامعة ونقل مباشرة عبر صفحتي Facebook وYouTube الرسميتان للجامعة، رئيس بلدية الحدت الأستاذ جورج عون، بالإضافة إلى رئيس الجامعة الأب ميشال جلخ، نواب الرئيس، العمداء، وأعضاء مجلس الجامعة، وقد شارك في الاحتفال الطلاب وأولياؤهم.
وفي كلمته توجّه رئيس الجامعة الأنطونية الأب ميشال جلخ للطلاب قائلاً: “نحتفل اليوم بتخرُّجكم وبيوبيل تأسيس الجامعة الأنطونيَّة الخامس والعشرين، فيما نعيش أزمة عميقةً على مستويات عدَّة. لكلمة احتفال في هذا الجوِّ وقعٌ غريب يكاد يلامس التجديف، في حين أنَّ الكلمة الأكثر تداولًا في لبنان خلال السنة المنصرمة كانت كلمة “أزمة”، مع موازياتها المُعجميَّة، ومرادفاتها المختلفة، واستعاراتها كافَّة”.
وتابع سائلاً: “ولكن ما هي الأزمة؟ ليست مشكلة محدودة في الموضوع والزمان والمكان، مشروطةً بحلٍّ محدود هو الآخر زمانًا ومكانًا وموضوعًا. هي بالأحرى فترةٌ من التهديد الشديد، وعدم اليقين الشديد، تُعطِّل العمليّاتِ الاجتماعيَّة والسياسيَّة والتنظيميَّة، وتجعلنا متيقِّنين من أمر واحد فقط: أنَّ الأمور ليست على ما يرام. لقد حُكي الكثير مؤخّرًا عن المرونة (resilience) والإيجابيَّة (positivity)في التعامل مع الأزمات، وقد تتوقَّعون منِّي أن أنحو هذا النحو كي أبرِّر الاحتفال في ظلِّ الأزمة، غير أنَّني أريد أن أتوقَّف معكم اليوم عند عنصر آخرَ مهمٍّ في تعاطينا مع الأزمة، ألا وهو التعلُّم”.
وأضاف الأب جلخ مشيرًا الى أن: “في الجامعة نتحدَّث كثيرًا عن التعلُّم: التعلُّم الحضوريّ، والتعلُّم عن بعد، والتعلُّم كجماعة، والتعلُّم بالممارسة، والتعلُّم الناشط، والتعلُّم مدى الحياة، إلخ. لعلَّنا لم نكن نركِّز قبل اليوم بما يكفي على التعلُّم في الأزمات، وبها ومنها. ولعلَّ أوَّل ما ينبغي أن نتعلَّمه كمعنيِّين بالتعليم، من الأزمة، هو أن نولي هذا النمط من التعلُّم، أعني التعلُّم في الأزمة وبها ومنها، مزيدًا من الأهمِّيَّة في مناهجنا. هذا واحد من الدروس التي علينا نحن تعلُّمُها كمسؤولين، أما أنتم فأريد أن أفكِّر معكم بما قد يعنيه التعلُّم في الأزمة في حياتكم الفرديَّة وانخراطكم المجتمعيّ “.
وتابع بالقول: “يميل الناس طبيعيّا في الأزمة إلى النظر إلى من هُم في السلطة، أو إلى من يرون فيهم قادة، “لفعل شيءٍ ما. لذا أيقظ الرسلُ يسوع عندما اشتدَّت العاصفة على مركبهم…. أرادوه أن يفعل شيئا ما، لأنَّهم عرفوا أنَّه وحده يعرف ويستطيع ما ينبغي فعله. القادة الحقيقيُّون هم أولئك الذين يفعلون ذلك الشيء الذي يُعيد الحياة إلى ما يرام. القائد هو من يعرف ما ينبغي فعلُه، ويفعل ما ينبغي فعلُه، على الرغم من الفوضى، والضغط الإعلاميّ، والمشاكل المتوالِدة، وتفشِّي الشائعات”.
وتوجه الأب جلخ الى الطلاب قائلاً: “وصيَّتي لكم اليوم أن تكونوا ذلك الشخص لأنفسكم، وأن تلتفتوا إلى أنفسكم، وتسألوا أنفسكم قبل أيِّ شخص آخر: ماذا ينبغي أن أفعل؟ لي ألّا أبالي إلا بما يَمَسُّ حياتي الخاصَّة، وأن أعتبر معاناة الآخرين شأنَهم وحدهم. لي أن أختار الهرب، فأختبئ أو أسافر أو أستسلم. ولي أن أواجه. وأن أواجه يعني أن أتحلّى أنا نفسي بما أتوقَّعُه من المسؤولين، لأنَّ المواجهة تعني أوَّلا أن أعتبر نفسي مسؤولًا عنِّي، وعن الآخرين. أجل! المواجهة تتطلَّب منّي لا أن أنهض وحسب، بل أن أحمل، كالقيروانيّ، بعضًا من صليب الآخرين أيضًا”.
وتابع بالإشارة الى أن الناس يتوقَّعون أنَّ المسؤولين يفكِّرون بأسوأ السيناريوهات ويستعدُّون لها، في حين تُبيِّن الوقائع أنَّ معظم القادة الحكوميِّين ورجال الأعمال يراهنون على أفضل الاحتمالات حصرًا. ويتوقعون أن يسعى القادة جاهدين لتعلّم الدروس بعد الأزمة، في حين أنَّهم ينغمسون بالأحرى في تبادل الملامة والاتِّهامات. وقال للطلاب:” لكنَّ الخلاصة هي أنني أريد منكم ولكم أن تكونوا لأنفسكم القائد الذي تحلمون به. أن يكون كلٌّ منّا القائد الذي يريده للمجتمع، يعني أن نحترم الأولويّات والمبادئ التي نريد للسلطة أن تحترمها، وأن نتعلَّم من الأزمة متى حلَّت عوض التلهِّي بتقاذف التهم”.
وأضاف الأب جلخ بالإشارة الى أنَّ الأزمات تختبر معدن البشر، فلا تدعوا الأزمة تجعلكم ما لا تريدون أن تكونوا. قد تجعلنا الأزمةُ فقراء، ولكن نحن وحدنا نقرِّر ما إذا كنّا نريد أن نصبح عبيدًا للمادَّة أو أذلّاء. قد تُغرقنا الأزمةُ بالقلق، ولكن نحن وحدنا نقرِّر ما إذا كنّا نريد الانتقال من القلق إلى المرارة والسلبيَّة وكره الذات والحياة.
وختم كلمته ليؤكد أن الأزمة خير معلِّم لأنها تُسقط الأقنعة وتضعنا وجهًا لوجه مع الحقائق كما هي. وأضاف: “أعلم أنَّ ما سأقوله سيزعج البعض، إنَّما ما نعيشه اليوم هو صحِّيٌّ لأنَّه حقيقيّ. لقد اكتشفنا أنَّ ما كنّا عليه كان سرابًا: نستهلك ما لا ننتج، ونحصد ما لا نزرع. اكتشفنا أنَّ ما كنّا نعيشه كان مزيَّفًا وقد بني على باطل، وما يُبنى على باطل هو باطل. هذا هي شرعة الحياة التي تنتقم منّا عاجلًا أم آجلًا. بالطبع، هذا لا يعني أنَّ ما نعيشه جميل، لكن على الأقلّ حقيقيّ ويدفعنا إلى إعادة بناء حياتنا بعيدًا عن التزييف والأقنعة، بعدما ذقنا مرارة السقوط على أرض الواقع من ناطحات الأوهام”.
وسأل الأب جلخ: ” لماذا لا ننتقل من منظومة متواطِئة متآمرة إلى أخرى متعاضِدة متصالحة؟ ما الذي يمنعنا من التواصل الإيجابيّ والتفكير معًا؟ هل هي لعنة القدر أن نزيد الشرخَ شرخًا في الوقت الذي نحن بأمسِّ الحاجة فيه الى التخطيط معًا والعمل لبناء وطن يليق بنا”؟
وبعدما استشهد الأب جلخ بقول للبابا فرنسيس، جاء فيه “إنَّك تخرج من الأزمة إمّا أفضل وإمّا أسوأ، ولكنَّك لا تعود أبدًا كما كنت من قبل”، توجّه للطلاب قائلًا: ” أتمنى لكم أن تَخرجوا، وتُخرجوا لبنان، من هذه الأزمة وأنتم وهو أفضل ممّا كنتم وكان. أنتم أملنا. وأنتم… أملُكم. فلا تستكينوا قبل أن تَنقُبوا جدار الأزمة، وتقولوا لوطننا الكسيح المنهَك: قم احمل سريرك وامش.
مبارك تخرُّجكم، أيُّها الأنطونيُّون الأشدّاء، ولتسمعوا خلف كلِّ الضوضاء التي تحيط بنا صوت السيَّد المسيح يقول لكم في كلِّ لحظة: تشدَّدوا، أنا غلبت العالم” .