كتب طارق ترشيشي في “الجمهورية”:
دَلّ كلام الرئيس المكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي، بعد لقائه الرابع مع رئيس الجمهورية ميشال عون، الى انّ الاستحقاق الحكومي عاد مجدداً الى دائرة التعقيد التي كانت سائدة ايام تكليف الرئيس سعد الحريري. لكنّ البعض، ومنهم ميقاتي نفسه، يعوّل على اللقاء الخامس بعد غد الخميس لعله يغيّر مسار التأليف ايجاباً، ما يُجنّب الدخول في تعقيدات جديدة.
ما قاله ميقاتي بعد زيارته لعون من انّ المهلة لتأليف الحكومة بالنسبة اليه «غير مفتوحة، وليفهم مَنْ يريد ان يفهم»، إنما كان رسالة غير مباشرة الى رئيس الجمهورية يؤكّد له فيها انه لن يتردد في الاعتذار عن التأليف لأنه لم يُجاره لا في الاسراع في تأليف الحكومة «لِنزفّها للبنانيين قبل 4 آب» ولا في اعتماد التوزيعة المذهبية والطوائفية للحقائب المعتمدة في الحكومة المستقيلة «تفادياً لتحريك وكر الدبابير، وتفادياً لأيّ خلاف جديد».
ويقول متابعون لعملية التأليف انه بعد 10 ايام على تكليف ميقاتي، ورغم أجواء التفاؤل التي أُشيعت بالتزامن مع هذا التكليف والطريقة التي قدّم ميقاتي بها نفسه ووجدَ البعض فيها «ما يُحيي الامل» في إمكانية إحداث خرق في الازمة الحكومية، بَدا انّ الاستحقاق الحكومي عاد الى دائرة الخلافات والنزاعات بين المعنيين على المصالح السياسية الآنية والمنظورة والمستقبلية.
ويضيف هؤلاء أنّ ميقاتي، وعلى رغم بعض الاحتجاجات التي شهدها الشارع عشيّة تكليفه، «نجحَ لحظة تكليفه الى حدّ ما في إعادة بث روح الامل لدى الناس، وهذا الامر مطلوب ومطلوب جداً نتيجة الخيبة التي يعيشونها، فالجانب المعنوي هنا يشكّل عاملاً اساسياً في معالجة هذه الخيبة، ولذلك يحاول الرجل الترفّع عن منطق العقبات التي كانت سائدة ايام تكليف الحريري، مُقدّماً أسلوبه الخاص. وقد تمكّن إعلامياً وواقعياً في خَلق حالة ترقّب إيجابي لدى الجميع، لكن يبدو أنه خلال الاحد والاثنين الماضيين حصلً شيء ما او تبدلت معطيات ما أظهرت انّ عملية التأليف بدأت تدخل الى المفاصل الصعبة، اذ تبيّن انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون عاد «سيرته الاولى» التي تَعاطى بها في ايام تكليف الحريري، وتبيّن لميقاتي انه لم يتزحزح عن أصل مقاربته لهذه المفاصل ـ العناوين ايام الحريري. وبعد ان كان الاسلوب المتّبَع في الايام العشرة الماضية يقوم على وضع العناصر الخلافية جانباً في مقابل جَعل ما تم الاتفاق عليه هو الاساس والانطلاق منه، عادت المعادلة مقلوبة حيث باتت العناوين الخلافية هي الاساس فيما وضعت القضايا المتّفق عليها جانباً. ويبدو انّ هذه المواضيع الخلافية تتعلق بوزارتي الداخلية والعدل، والصيغة العامة للحكومة، وموضوع التدقيق الجنائي.
لذلك، يقول المتابعون انّ لعبة عَض الاصابع قد بدأت مجدداً على جبهة الاستحقاق الحكومي، لتشكّل أوّل اختبار حقيقي لِما يمكن تسميته «تدوير الزوايا»، التي قال عون عشيّة التكليف ان ميقاتي يُجيدها. وبعد اللقاء الرابع بين الرجلين، بَدا الجو منكمشاً ويُظهِر العناصر السلبية من تجربة الاحد والاثنين الماضيين، ما سيُشكّل من اليوم المحك الحقيقي لقدرة ميقاتي على ان لا يكون سعد الحريري امام ميشال عون، وكذلك قدرته على دَفع عون الى ان لا يتعاطى معه كسعد الحريري، وهذه هي المعادلة حول إمكانية تكريس الانقلاب الايجابي او الاصرار على مفاعيل التعاطي السلبي.
فلقد كان ميقاتي قد أكد على مدى الايام الثلاثة التي سبقت لقاء الخميس الماضي انّ للبحث صلة، لكن بعد لقائه مع عون أمس بَدت اللحظة جامدة جداً ودلّت الى أننا دخلنا في قلب العمق العميق للأزمة، ما يطرح السؤال: هل يستطيع ميقاتي ان يبني مع عون جسراً يَلتفّ فيه على عُقَد موروثة من الاشتباك العوني ـ الحريري؟ أم انّ القاعدة الثابتة بالنسبة الى عون هي أنّ ميقاتي هو استمرار للحريري وبالتالي ما ينطبق على الاول بقواعد التعاطي ينطبق على الثاني؟ على الاقل، هذا ما أشارت اليه مقابلة مستشار عون الوزير السابق بيار رفول مع قناة otv، التي يبدو انها ظَهّرَت الى العلن حقيقة ما يدور في الغرف المغلقة.
وقد كان اللافت قول ميقاتي، رداً على سؤال يقارن بينه وبين الحريري لدى مغادرته القصر الجمهوري: «قلتُ وأكرر انّ لكل انسان طَبعاً وشخصية ومنطلقات معينة في اي مقاربة يُجريها. انا نجيب ميقاتي، وهناك مسائل أتوافَق في شأنها مع الرئيس الحريري، وهناك مسائل قد نختلف عليها، ولكن ما يجمعنا هو الوطنية وحب البلد».