كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
لا توجد حقيبة سيادية أو مهمّة أو حقيبة ثانوية، بل إن كل زمن يفرض أولوياته، ما يبرّر تصارع القوى السياسية على حقائب متنوّعة في كل فترة.
قبل خروج الاحتلال السوري من لبنان، كان المحتلّ يوزّع الحقائب على القوى الحليفة، فعلى سبيل المثال لم يُدعّم رئيس تيار “المردة” النائب السابق سليمان فرنجية زعامته الزغرتاوية مستنداً إلى حقيبة سيادية، بل إن وزارة الصحة كانت المرتكز لبناء زعامته مستغلاً الدعم السوري المطلق له وفتح موازنات جرّارة، في حين أن الحقيبة السيادية التي تولاها عام 2004 وهي “الداخلية” كانت ستقضي على مستقبله السياسي نتيجة وقوع جريمة إغتيال الرئيس رفيق الحريري خلال فترة تولّيه هذه الحقيبة.
وبالنسبة إلى العُقَد التي يتمّ الحديث عنها اليوم بعد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تأليف الحكومة، فتتمثّل بحقيبتي “الداخلية” و”العدل”، وإذا كانت “الداخلية” تصنّف على أنها حقيبة خدماتية وأمنية وسياسية بامتياز وتدير الإنتخابات، فإن لوزارة العدل أهمية إستراتيجية أيضاً.
وإذا عدنا بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، نكتشف أن “العدل” بدأت تأخذ وهجها بعد جريمة 14 شباط، ففي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي شكلها بعد انتخابات 2005 أُسندت هذه الوزارة إلى شارل رزق الذي كان محسوباً على الرئيس إميل لحود، لكنه سرعان ما اصطفّ في صفّ المطالبة بالتحقيق الدولي والمحكمة الدولية ولم يستقل مع الوزراء الشيعة والوزير يعقوب الصرّاف.
وعندما شكّل السنيورة حكومته الثانية عام 2008 بعد “إتفاق الدوحة” أسندت “العدل” الى الوزير ابراهيم نجار الذي سمّاه حزب “القوات اللبنانية” وأعاد تسميته في حكومة الرئيس سعد الحريري الأولى عام 2009 وأكمل نجار ما بدأه رزق من حيث متابعة ملف المحكمة الدولية.
كان كانون الثاني 2011 قاسياً على فريق 14 آذار الذي خرج من الحكم وشكّل الرئيس ميقاتي حكومة “اللون الواحد” وذهبت وزارة العدل لأول مرّة إلى “التيار الوطني الحرّ” وتحديداً إلى الوزير شكيب قرطباوي الذي كان كلاسيكياً خلال فترة وزارته.
وعادت هذه الوزارة إلى صفوف 14 آذار مع حكومة الرئيس تمام سلام وقد تم تعيين اللواء أشرف ريفي وزيراً للعدل، والذي قاد معركة إسقاط صفقة إخراج ميشال سماحة من السجن وقد استقال من الوزارة لاحقاً بعدما نجح في مهمته.
وبعد التسوية الرئاسية عادت “العدل” إلى صفوف “التيار الوطني الحرّ” وعُيّن سليم جريصاتي وزيراً لتلك الحقيبة. عندها حاول “التيار” وضع يده على القضاء مستفيداً من قوّة العهد و”حزب الله” والتناغم مع الحريري وحصد معظم التعيينات القضائية مع ما سجّلته تلك المرحلة من محاولة لتطويع القضاء واستخدامه لأهداف شخصية ومحاولة كمّ صوت الإعلام، وبقي جريصاتي مسيطراً على رغم تعيين “التيار الوطني” ألبير سرحان وزيراً للعدل في حكومة الحريري التي تألفت في كانون الثاني 2019.
أما الكارثة الكبرى التي ضربت القضاء فكانت مع حكومة الرئيس حسان دياب حيث عيّن العهد ماري كلود نجم وزيرة لـ”العدل”، وفي هذه الفترة تمّ إيقاف التعيينات القضائية من قِبل رئيس الجمهورية ميشال عون وتمّ ضرب صورة القضاء خصوصاً مع “تجاوزات” المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون وعدم قدرة نجم على فعل شيء.
اليوم يعود الحديث عن أهمية وزارة العدل خصوصاً وأن هذه الوزارة معنية بشكل مباشر بتحقيق المرفأ، مع الإشارة إلى حجم الضغوط التي يتلقّاها المحقّق العدلي “الصامد ـ الصادم” القاضي طارق بيطار، وبالتالي فإن الضغط سيزيد من أجل الإحتفاظ بهذه الحقيبة مع عمل الطبقة السياسية على لفلفة القضية، علماً أن وزارة العدل تعنى أيضاً بالإنتخابات النيابية، ومن هنا يُفهم الصراع على هذه الحقيبة، والتي ستتحوّل إلى “مشكل” قد يفجّر ولادة الحكومة تحت مسميات طائفية ودستورية، لكن الحقيقة أن كل فريق يريد السيطرة عليها لتأمين مصالحه الإنتخابية وضرب تحقيق المرفأ قدر المستطاع.