كانت لافتة للانتباه في الساعات الماضية، عقب حوادث خلدة الدامية، النبرة التي اعتمدها حزب الله والإعلام الذي يدور في فلكه، في مخاطبة الجيش اللبناني. الاقلام الممانِعة، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، لم تتردد في تحميل المؤسسة العسكرية مسؤولية ما جرى، معتبرة ان الاخيرة لم تتخذ الاجراءات المناسبة لمواكبة تشييع القيادي في حزب الله علي شبلي. أما الضاحية، فتحدّثت بفوقية وبنوع من التحدي مع الجيش، علما ان عدم تسليم الحزب لشبلي العام الماضي الى العدالة تسبّب بعملية تصفيته ليل السبت “ثأرا”، كما ان معرفة الحزب ان على ثمة قناصين منتشرين على اسطح المباني قبيل التشييع، كان يجب ان يعقبها تدخّلٌ من قِبله هو، لا من قبل الجيش فقط، لتغيير مسار الموكب.
على اي حال، تضيف المصادر، وفي خانة التحدي الذي أشرنا اليه، تصبّ مواقف عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله، الذي تحدث مساء الاحد في مقابلة تلفزيونية عن “حادث مفصلي وكمين مدبّر”، سائلا “ألم تكن هناك معلومات لدى الأجهزة الأمنية بأنّ هناك مسلّحين على سطوح البنايات”؟ وشدّد على أن “رؤوس هذه العصابة وأفرادها يجب أن يُسلّموا. مخابرات الجيش وفرع المعلومات والأمن العام وأمن الدولة مسؤولون. هؤلاء عصابة ولا يمتّون إلى العشائر بصلة”. وأضاف فضل الله “جمهورنا يطالبنا باجتثاث هذه العصابات، ونحن قادرون على أن نجتثّها بخمس دقائق. وإن كنتم لا تُريدون فتنة، سلِّموا القتلة. الأجهزة الأمنية تعلم أننا لم نواكب التشييع وكان عليها أن تحمي التشييع”.. وختم فضل الله بكلمات لا تخلو من التهديد “للصبر حدود وعلى الأجهزة الأمنية أن تفكك هذه العصابات”.
هذه اللهجة لم يردّ عليها الجيش اللبناني إلا بخطوات سريعة على الارض، هدفُها وأد الفتنة وتطويقُ ذيول الإشكال الذي حصل. فقد افيد ان مخابرات الجيش أوقفت المدعو عمر غصن ونجله، على خلفية اشتباكات خلدة ودورهما في مقتل شبلي مساء السبت في الجية. كما افيد عن توقيف أحد المتورطين في إطلاق النار باتجاه موكب تشييع شبلي المدعو (أ.ش) والسوري ياسر محمد خليل، المتورطين إلى جانب سوريين آخرين، فيما تجري ملاحقة كل المتوارين المحددة أسماؤهم وأدوارهم بالتفاصيل.
اما قائد الجيش العماد جوزف عون، فأكد في موقف مثقل بالرسائل الى مَن يعنيهم الامر، خلال رعايته حفل تدشين “ساحة الجيش اللبناني” عند المدخل الشرقي لمدينة حاصبيا، امس، “ان المؤسسة العسكرية ماضية في الدفاع عن أمن الوطن واستقراره مهما غلت التضحيات، ومستمرة في حماية شعبها وتحصين السلم الأهلي، ولا نأبه ببعض الأصوات الشاذة التي تحاول حرف الجيش عن مساره، ولا بانتقادات او اشاعات، بتنا نعرف خلفياتها”.
بحسب المصادر المعارضة، فإن ما حصل في خلدة، أريدَ ايضا استغلالُه لمحاولة تخوين الجيش واضعافه واستهدافه، من ضمن حملة ممنهجة ومخطّط واسع وخطير، تدأب “القوى الممانعة” على تنفيذه منذ اشهر، لضرب كل معالم الدولة في لبنان وتسويتها أرضا، تمهيدا لبناء أُخرى تتلاقى و”معايير” دول المحور الايراني. فبعد تصويبها على القطاع المصرفي وتشويه صورة حاكمه وتحميله مسؤولية الازمة التي تسببت بها السياسات الرعناء، وبعد القضاء على عمل المؤسسات الدستورية كلّها، عبر إحلال الشغور في مجلس الوزراء و”زرع” الحلفاء في بعبدا وساحة النجمة، وبالتزامن مع ضرب القضاء ووهرته عبر تجميد التشكيلات القضائية وتمرّد عدد من القضاة على رؤسائهم، لم يبق الا المؤسسة العسكرية صامدة وواقفة على “رجليها” رغم الضائقة الاقتصادية القاتلة، كآخر معلمٍ يذكّر بوجود “دولة” في لبنان.
وللغاية، فإن “قضفَها” مستمر وسيستمر، لأنها “مزعجة” لمَن يريدون تدمير كلّ شيء في لبنان لفرض سيطرتهم وتصوّرِهم الخاص لوظيفة الجيش ونمط عيش الشعب وكيفية عمل النظام والمؤسسات… الا ان هذه المحاولات مكشوفة، وستبوء بالفشل، بإرادة اللبنانيين ودعم المجتمع الدولي، تختم المصادر.