كتبت رنى سعرتي في “الجمهورية”:
بعد عام على انفجار مرفأ بيروت، ما زال معظم المؤسسات الاقتصادية مقفلاً بشكل تام أو جزئي، وما زالت أزمة التعويضات المالية مع شركات التأمين عالقة بين أسعار الصرف المعتمدة، في حين انّ الدولة، المسؤولة الاولى والوحيدة عن الكارثة البشرية والاقتصادية التي حلّت ببيروت، غائبة وبعيدة عن معاناة القطاعات وعن انعدام النشاط الاقتصادي في العاصمة.
فيما كانت القطاعات الاقتصادية تكافح جاهدة للصمود بوجه أسوأ أزمة مالية واقتصادية تمرّ بها البلاد، جاء انفجار 4 آب 2020 ليدمرّ العاصمة بيروت، معقل المؤسسات التجارية والسياحية الكبرى، حيث أفادت التقارير عن دمار قطر حوالى 5 كلم في محيط المرفأ، وهو يضم ما لا يقل عن 5000 مؤسسة نظامية موزّعة بين مؤسسات تجارية وحرفية ومطاعم وفنادق ومدارس وجامعات وكنائس ومستشفيات، اضافة الى عدد من المؤسسات غير النظامية والتي تفوق الـ5000.
قُدّرت الخسائر والاضرار التي منيت بها القطاعات الاقتصادية، بحسب البنك الدولي بما بين 2.9 مليار و3.5 مليارات دولار، منها مليار و100 مليون دولار من الاضرار المؤمَّن عليها، إلا انّ المتضررين لم يحصلوا لغاية اليوم، رغم مرور عام على وقوع الفاجعة، على حقوقهم التي توجبها بَوالصهم التأمينية كاملة.
بلمحة بصر، أصيبت الآلاف من المؤسسات والمحلات التجارية بأضرار جسيمة أدّت الى تدميرها، كليّاً أو جزئياً، منها مَن عَمد الى اعادة الاعمار او الترميم، على نفقته الخاصة أو من اموال الهبات والمساعدات، ومنها من فضّل الاقفال التام لفقدانه الامل بعودة النمو الاقتصادي في البلاد بسبب الازمة الاقتصادية التي تمرّ بها ورفضه الاستثمار مجدداً في لبنان، أو بسبب عدم قدرته المالية على اعادة البناء بانتظار حصوله على تعويضات شركات التأمين أو تعويضات الدولة.
20 ألف مؤسسة تجارية، 2531 مؤسسة سياحية تضررت مباشرة من انفجار مرفأ بيروت، 73 ألف شقة سكنية، 9200 مبنى، 163 مدرسة ومنشأة تعليمية طالتها الأضرار، 106 منشآت صحية بينها 6 مستشفيات و20 عيادة، ما زالت جميعها لغاية اليوم غير مرمّمة بشكل كامل.
اكثر من 70 ألف شخص خسروا وظائفهم جراء الانفجار الذي أدى الى اقفال المؤسسات التي يعملون بها، في حين لم يستطع معظمهم الالتحاق وظائف أخرى لأنّ الازمة الاقتصادية دفعت كافة الشركات في لبنان الى اعتماد سياسة تخفيض الكلفة التشغيلية الى الحدّ الادنى والى تسريح نسبة كبيرة من عمالها
شملت الآثار الاقتصادية الرئيسية للانفجار خسائر في النشاط الاقتصادي، وتعطّل التجارة، وخسائر في الإيرادات المالية، وتعميق انكماش النشاط الاقتصادي وتفاقم معدلات الفقر، حيث فقد وسط بيروت مكانته بعد ان كان الوجهة الاولى للتسوّق والسياحة، والمركز الرئيس للملاهي الليلية والسهر والمطاعم والفنادق.
أقفل العديد من المؤسسات التجارية والعلامات التجارية نهائياً بعد الانفجار، فهي كانت تعاني الازمة الاقتصادية في البلد حتى أتى انفجار المرفأ وقضى عليها نهائياً. وقد بلغ حجم اضرار التجار في منطقة الاشرفية على سبيل المثال، حوالى 250 مليون دولار، وفي منظقة الجميزة 100 مليون دولار.
اما القطاع السياحي، الذي كان يناضل ويكافح الازمة المالية والاقتصادية للاستمرار بالحدّ الادنى، فقد قدّر البنك الدولي الخسائر التي منيت بها مؤسساته المتضررة بفِعل تفجير 4 آب بـ 800 مليون دولار من دون احتساب الاضرار غير المباشرة التي تفوق هذا المبلغ بكثير.
وقد بلغ عدد المؤسسات السياحية المتضررة حوالى 2531، وهي موزعة كالآتي: 163 فندقاً، 2087 مطعماً وملهى ليلياً، 188 مؤسسة سياحة وسفر، و93 مؤسسة تأجير سيارات، علماً انّ هذه الكارثة دفعت أفخم الفنادق وأقدمها، والتي تعتبر من المعالم السياحية في بيروت (phoenicia, hilton. le grey, monroe…)، الى الاقفال التام أو الجزئي، وهي ما زالت لغاية اليوم، بعد عام ٍ على الانفجار، مقفلة.
في هذا الاطار، اوضح رئيس اتحاد النقابات السياحية ونقيب أصحاب الفنادق بيار الأشقر لـ»الجمهورية» انّ غالبية الفنادق الكبرى التي منيت بأضرار ضخمة ما زالت مقفلة لغاية اليوم، لافتا الى ان حوالى 2000 غرفة فندق خارج الخدمة اليوم، لأنّ شركات التأمين تتقاعس عن تسديد قيمة التعويضات المالية، موضحاً ان المشكلة مع شركات التأمين تكمن في كيفية احتساب قيمة التعويضات، حيث ترفض الشركات التسديد بالدولار النقدي fresh dollars او على سعر صرف السوق السوداء، بل من خلال الشيكات المصرفية او وفقاً لسعر الصرف الرسمي عند 1500 ليرة، «علماً ان كافة الاعمال الترميمية لإعادة البناء او التأهيل تستوجب الدفع بالدولار».
واشار الاشقر الى انّ السبب الرئيس وراء تقاعس شركات التأمين عن التعويض هو عدم صدور قرار من قبل القاضي يحدد سبب الانفجار إذا كان ناتجاً عن عمل ارهابي او غيره. وبالتالي، فإنّ المؤسسات التي حصلت على تعويضات من قبل شركات التأمين هي التي لديها امكانيات مادية وقبلت المساومة مع شركات التأمين، «أي انها قبلت بخفض قيمة تعويضاتها من 1,5 مليون دولار الى 750 الف دولار، حصلت منها على حوالى 400 الف دولار fresh و350 الف دولار شيك مصرفي، مفضّلة استباق احتمال صدور أي قرار قضائي يشير الى وجود عمل ارهابي أدّى الى انفجار المرفأ».
أضاف: «هناك عدد من المؤسسات الذي يملك القدرة على الترميم، لم يشرع بذلك، مفضّلاً الاقفال وعدم تكبّد الخسائر عن اعادة الفتح والخسارة بسبب تردّي الاوضاع الاقتصادية، بالاضافة الى انه يعتبر ان الوقت غير مناسب اليوم لإعادة الترميم قبل موعد الانتخابات وحلول العام 2022 لكي تتوضّح معالم المرحلة المقبلة سياسيا واقتصاديا».
ولفت الاشقر الى انّ المشكلة لا تتعلق فقط بشركات التأمين «إذ انّ الدولة لم تلتفت الى أحد. المؤسسة اللبنانية الوحيدة التي قامت بعمل ما هي الجيش الذي قام بمسح الاضرار».