كل ما يمكن ان يقال او يكتب في مثل هذا النهار، سيبدو صغيرا او تافها امام دموع الأمهات والاباء والثكالى واليتامى التي ذرفت منذ ٤ آب الماضي ولم تجفّ بعد، وامام هول النكبة التي حلّت بالعاصمة في ذلك التاريخ المشؤوم، الا امرا واحدا: العهد بالانتقام لكل ابن واخ وطفلة وام او اب واطفائي وممرضة وطبيب او موظف، قضى في الانفجار النووي الذي هز المرفأ عند السادسة وسبع دقائق في مثل هذا اليوم من العام المنصرم.
وحدها الحقيقة والمحاسبة تطويان صفحة ٤ آب، وتداويان، نوعا ما، جراح ذوي الضحايا الابرياء، وتثلج قلوبهم، وتساعد في نقل البلاد الى ال- “ما بعد”. اما لفلفة قضية بحجم زلزال المرفأ، على الطريقة اللبنانية التقليدية، فستبقي الغضب متقدا في نفوس اللبنانيين كلهم، وقد أصابتهم شظايا النيترات إن لم يكن جسديا فمعنويا، وستتركهم ولبنان، عالقين تحت اهراءات المرفأ حيث ودّعوا احباءهم واصدقاءهم وذويهم والفرح…
نعم، لا تزال الطبقة الحاكمة لا تدرك حجم الوجع الذي يكبر في الصدور مع الوقت، ولا يخفت كما تراهن، وهذا الوجع، سينفجر في وجهها قريبا، خلال ساعات وايام، لا اكثر، إن هي استمرت في المماطلة والتسويف وفي التهرب من التحقيقات، لاسباب وحجج واهية كالحصانات والصلاحيات، مشككة بالمحققين العدليين تارة، وطارحة اقتراحات من هنا، ومطلقة مواقف من هناك، هدفُها ظاهريا تسهيل التحقيق، فيما تخفي في الباطن نية بتمييعه.
الناس لن ينتظروا طويلا، ويريدون رؤية التحقيقات تتقدم، وكل مسؤول عن هذه المجزرة من اعلى الهرم الى أسفله يحاكم ويحاسب، لن يكتفوا بالمقصّرين، ويريدون معرفة من اتى بالامونيوم الى بيروت ومن خزنه بين المدنيين الابرياء ومن كان يستخدمه منذ سنوات.
النار المشتعلة في القلوب، لن تخمد الا بتحقيق العدالة. هذا هو الوعد الذي نطلقه بعد عام على هيروشيما لبنان.. لا تراجع او مهادنة في هذه المعركة ولو اقتضى الامر اللجوء الى محكمة الشارع.
“يلّي راحوا”، ارواحهم لا تزال هائمة فوق بيروت، وستكون سند اللبنانيين في ثورتهم المتجددة للاقتصاص ممن نكلوا بهم لعقود بطشا وسرقة ونهبا واذلالا وتفجيرا..
اليوم، نحن الشهداء الاحياء الذين شاء الحظ الا نموت في ٤ آب، نناجي مَن سبقونا: لا تبتعدوا قبل كسب هذه الحرب، كونوا العضد والدعم في المواجهة المصيرية هذه. ضعوا قطار لبنان المستقبل على السكة الصحيحة وبعدها ناموا قريري العين.