كتب خالد أبو شقرا في نداء الوطن:
ثلاثة مؤتمرات دولية لدعم لبنان في غضون عام، تعطي القليل، وتعد بالكثير في حال تحقيق الإصلاحات، والبلد ما زال عاجزاً حتى عن تشكيل حكومة. المؤتمر الذي عقدته فرنسا بدعوة مشتركة من رئيس الجمهورية الفرنسية والأمين العام للأمم المتحدة، وبمشاركة 33 دولة و13 منظمة دولية بالإضافة إلى ممثلين عن المجتمع المدني اللبناني لم يشذ في الشكل والمضمون عن المؤتمرين السابقين اللذين عقدا في 9 آب و2 كانون الأول من العام 2020. في الشكل عقدت المؤتمرات الثلاثة عبر تقنية “الفيديو كول” وبحضور لافت للمجتمع الدولي المهتم بمساعدة لبنان.
في المؤتمرات الثلاثة لبنان يشتكي، والمجتمع الدولي يؤنب ويعاتب ويستعمل أسلوب “العصا والجزرة”. أمّا في المضمون فان هدف المؤتمرات هو إنساني بحت. والدعم اقتصر في المؤتمر الأخير، كما في المؤتمرين السابقين على تلبية الإحتياجات الغذائية والصحية والتربوية الطارئة، مع إيكال مهمة التوزيع إلى الجمعيات الدولية وغير الحكومية وعبر قنوات الامم المتحدة.
المبالغ المادية المجمعة بلغت في مؤتمر 4 آب 357 مليون دولار. فرنسا قدمت 100 مليون يورو، ستوزع على شكل مساعدات خلال الأشهر الإثني عشر المقبلة. فيما أعلن رئيس الولايات المتحدة تقديم 100 مليون دولار، تضاف الى قرابة 560 مليوناً قدمتها واشنطن كمساعدات إنسانية خلال السنوات الماضية. كذلك الأمر بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وبقية الدول التي تبرعت بمبالغ مالية تخطى مجموعها 350 مليون دولار. أما لجهة المساعدات العينية، فقد تكفلت فرنسا في إيصال 500 ألف لقاح ضد فيروس كورونا هذا الشهر وبالمساعدة في إعادة إعمار مرفأ بيروت. المساعدات ستكون غير مشروطة وستوجه للشعب اللبناني بشكل شفاف، إلا أنه “لن يكون هناك أي شيك على بياض لمصلحة النظام السياسي الذي يقوم مسؤولوه بعمل فساد”، على حد وصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في افتتاح المؤتمر. من جهته دعا الرئيس جو بايدن نظراءه في الدول كافة الى “تعزيز دعمهم للشعب اللبناني”. مضيفاً “كل هذه المساعدات الخارجية لن تكون كافية، اذا لم يلتزم القادة اللبنانيون في القيام بالعمل الصعب انما الضروري، لاجراء الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة الفساد.
ما يلفت الإنتباه في المؤتمر هو “فقدان الدولة اللبنانية لثقة المجتمع الدولي وثقة الدول والجهات المانحة”، يقول الباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة البروفسور مارون خاطر. “الأمر الذي يضعنا في مواجهة معضلتين بالغتي الخطورة، تتمثل الأولى في استمرار المجتمع الدولي بالتعامل مع لبنان عبر المؤسسات والجمعيات غير الحكومية، في استبعاد مُذلّ لمؤسسات الدولة، أو عبر إمكانيَّة إسناد المهمة إلى الجيش اللبناني وترتيب المزيد من المهمات على عاتقه. امّا المعضلة الثانية فمرتبطة بنوعية المساعدات وهي بمجملها إغاثية انسانيّة وليست استثمارية. فبدل أن يكون الهدف إعادة النهوض بالإقتصاد ووقف الإنهيار، تركزت الجهود على استهداف الحاجات الأساسية للشعب اللبناني، الذي أصبح يرزح أكثر من 55 في المئة منه تحت خط الفقر، بسبب فساد السلطة المتجذر والمزمن وانعدام الثقة بها. لذلك فإن بقاء هذه السلطة يسيء الى صورة الدولة وكرامة الشعب في آن معاً”.
بحسب البيان الختامي للمؤتمر يلاحظ اتجاه جدي خلال الأيام المقبلة لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال صندوق مانحين تابع للبنك الدولي. وتوصية جدية للاستفادة من حصة لبنان غير المشروطة من حقوق السحب الخاصة البالغة نحو 900 مليون دولار بالتعاون مع المجتمع المدني، وإخضاعها للمراقبة في الوقت الحقيقي والتقييم اللاحق.
يبقى أن “توقيت المؤتمر بالتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لتفجير 4 آب، يُظهر وقوف وتضامن المجتمع الدولي عموماً وفرنسا خصوصاً مع لبنان”، بحسب مصدر ديبلوماسي فرنسي. والمساعدات لن تتوقف شرط أن يساعد لبنان نفسه وينطلق في مسيرة الإصلاح الجدي.