كتبت كلير شكر في نداء الوطن:
هذه آخر حكومات ميشال عون. وتلك مسألة ليست ببسيطة طالما أنّ للرجل ورثة حزبيين سيكملون المسار بعد خروجه من قصر بعبدا. لا يتطلع رئيس الجمهورية إلى ما سيكتبه التاريخ عن آخر أيام ولايته السداسية التي قُصمت من نصفها، مع تسارع وتيرة الانهيار الاقتصادي والمالي والاجتماعي، ولكن إلى ما يمكن لهذه الحكومة لو قدّر لها الولادة من خاصرة أزمة غير مسبوقة، أن تفعله، قبل أن تحال إلى نادي حكومات تصريف الأعمال.
“التيار الوطني الحر” كغيره من الأحزاب والقوى السياسية يعاني من تراجع في حضوره الشعبي، بعدما صبّ الرأي العام جام غضبه على السلطة، وإن تفاوتت المسؤوليات، والأرجح أنّ العونيين يدفعون أكثر من غيرهم ثمن تعرّضهم لحملات سياسية تحمّلهم مسؤولية الانفجار الكبير، لكون العهد عهدهم، ولكون ثمة أجندة سياسية تحاول استغلال وجع الناس لتكبيد “التيار الوطني الحر” الضربية الأقسى، فيما الأخير يتخبّط في أدائه وسلوكه ما يحول دون تخفيف الضربات عنه أو مواجهة المرحلة بأضرار أقل.
كما مع سعد الحريري، كذلك مع نجيب ميقاتي، تُوجّه أصابع الاتهام بالعرقلة إلى الفريق العوني تحت عناوين مختلفة، لعل أهمها الثلث المعطّل، ولو أنّ التطورات بيّنت أنّ الأول كان مثقلاً بالرفض السعودي له ويخشى الاقدام على التأليف، فيما الثاني يبدي الكثير من الحماسة لدخول السراي الحكومي، وها هو الحشد الدولي الذي تجنّد من جديد في مؤتمر الدعم الذي نظّمته باريس، يرفع من أسهمه ومن احتمال تغلّبه على مصاعب التأليف.
في المقابل، يقول بعض العونيين إنّ وقائع التأليف تجافي الاتهامات التي تلصق بفريق العهد، مشيرين إلى أنّ فرص قيام حكومة برئاسة نجيب ميقاتي، مرتفعة، نافين أن يكون رئيس الجمهورية بصدد وضع شروط تعجيزية من باب تكبير حجر الأزمة لتحويلها إلى أزمة حكم، ذلك لأنّ عامل الوقت ليس لمصلحة أحد، بمن فيهم العهد، لا سيما وأنّ الاستحقاق النيابي سيكون داهماً، لا بل أشبه ببوابة عبور إلى مرحلة مختلفة كلياً وبالتالي لا بدّ من الاستعداد لخوض الانتخابات وهذه ليست بمهمة بسيطة أو سهلة، ما يعني أنّ العهد أكثر من محتاج إلى حكومة قادرة تتمتع بمقومات النهوض وليس فقط العمل على وضع حدّ للانهيار.
يضيف هؤلاء، لهذا السبب يتأنى العهد في حسم خياراته وقراراته النهائية خلال مرحلة المشاورات مع رئيس الحكومة المكلف، من دون أن يعني ذلك أنّ المناخ السائد بين الرئيس عون وميقاتي سلبيّ، بل هناك تعمّق في النقاش، ليس فقط في توزيع الحقائب واسقاطها على المذاهب، وإنّما والأهم، في دور الحكومة.
يؤكدون أنّ هذه الحكومة يجب أن تكون حكومة النهوض من الأزمة وعدم الاكتفاء بمحاصرة الانهيار ومنع تفلّت الوضع، تحت عنوان أنّ عمرها لا يسمح بأكثر من ذلك، مشيرين إلى أنّه يقع على عاتق هذه الحكومة وضع الخطة الانقاذية على السكة التنفيذية، وألا تستنزف الوقت المتاح أمامها في إجراءات ترقيعية تعمل على كسب الوقت لا أكثر، لافتين إلى أنّ المشاورات الحاصلة مع رئيس الحكومة تتناول دور هذه الحكومة ومهمتها لا سيما على المستوى المالي والاقتصادي لكي تكون كل الأمور واضحة ومحسومة مسبقاً، حيث يحرص رئيس الجمهورية على أن يكون شريكاً في القرارات المالية التي ستتخذ، لكي لا يكون مجرد شاهد زور يتحمّل فقط تبعات الموقع الدستوري الذي يحتله من دون القدرة على التأثير، خصوصاً وأنّ الأزمة بيّنت أنّه جرى استخدام عصا التلاعب بالعملة الوطنية وحنفية الدعم من باب الضغط السياسي، ولهذا لا بدّ من الاتفاق مسبقاً على كيفية معالجة هذا الأمر.
ولهذا يشير هؤلاء إلى أنّ المشاورات بين عون وميقاتي تتشعّب لكي تعالج مختلف القضايا المصيرية التي تنتظر الحكومة، لا سيما على المستوى المالي والنقدي… وإلا فلتبقَ حكومة حسان دياب تصرّف الأعمال اذا لم يتمّ الاتفاق على حكومة قادرة على الانقاذ بقرارات حاسمة وجذرية، كما يلفت عونيون. ولعل هذه المراجعة من جانب الفريق العوني، تعيد إلى الأذهان ما سبق وأعلنه ميقاتي في حديث إلى “بلومبرغ”، حين قال إنّه سيتدخّل “في كل القرارات المتعلقة بالشؤون المالية والاقتصادية لأن هذه الأزمة تتطلب صانع قرار”. فهل هي محاولة التفاهم الاستباقي لمنع وقوع الاشتباك؟