بالرغم من التفاؤل الذي حاول الرئيس نجيب ميقاتي «فرضه» على الناس، وبالرغم من إيحائه إحراز تقدم في ملف تأليف الحكومة، إلا أن ذلك بدا أقرب إلى بث الشائعات، فيما الواقع أن لا شيء تغيّر، إلا لناحية تأجيل الملفات الخلافية مجدداً، ربما إلى أن يحين موعد الاعتذار. وقد برز في الأيام الماضية اقتراح الرئيس نبيه بري التخلي عن وزارة المالية في مقابل حصوله على حقيبة الداخلية، وهو ما يرفضه ميقاتي
بعدما سبق أن أعلن أن مهلة التأليف ليست مفتوحة، ملمّحاً إلى إمكانية اعتذاره، عاد الرئيس نجيب ميقاتي أمس ليعطي أملاً بإمكانية تأليف الحكومة، معلناً أن ذلك لا يزال ممكناً. لكن هذا الأمل، لم يضعه متابعون للقاءاته المستمرة مع رئيس الجمهورية سوى في خانة الإيهام، فيما الواقع هو أن ميشال عون ونجيب ميقاتي صارا يتعاملان مع عملية التأليف كأنها انتهت. لكن بالرغم من ذلك، يرفض ميقاتي الاعتذار سريعاً، كي لا يظهر أمام الرأي العام وأمام الفرنسيين أنه غير جدي، أو أنه جاء ليستكمل خطة محاصرة ميشال عون التي بدأها سعد الحريري، علماً بأن مقرّبين منه صاروا على اقتناع بأنه لن ينتظر كثيراً قبل إعلان اعتذاره، فالقرار متخذ لكن يبقى إيجاد التوقيت المناسب. ولذلك، فإن حديث ميقاتي عن تقدّم لا يعبّر عن الواقع، هو الذي وجد أمس أن «المشكلة هي في احتراف اللبنانيين للإحباط»، فيما هو يدرك أن الناس هم الضحية الوحيدة في هذه المعادلة. فلا ميقاتي، ومن خلفه نادي رؤساء الحكومات السابقين، يريدون تأليف حكومة تنقذ عهد ميشال عون، ولا الأخير يريد تأليف حكومة تكون خنجراً في خاصرته. وخارجياً، بعيداً عن الفرنسيين الذين لا يملكون أي تأثير يذكر، فإن الأميركيين لا يبدون في وارد التنازل عن ورقة الانهيار في مواجهة حزب الله بسهولة. وإذا كان مؤتمر باريس واضحاً بالإشارة إلى أن لا مساعدات للبنان من دون تأليف حكومة، فإن وضع العراقيل أمام تأليف الحكومة لا يعني سوى تعميق الانهيار.
وبين هذين الحدّين، يخرج ميقاتي ليعلن «لا ألتزم بمهلة زمنية ولا بعدد معين للحكومة، بل أسعى إلى تأليف حكومة، فهذا هو هدفي. لم أقبل التكليف حتى لا أؤلّف حكومة. أما إذا وصلت إلى طريق مسدود فسأعلن ذلك».
وبالرغم من أنه لم يعد خافياً أن المشكلة تتعلق حالياً بحقيبة الداخلية وبالمداورة في الحقائب السيادية، إلا أن ميقاتي قرر تسطيح الخلاف، معتبراً أن «لا وقت لدينا للدخول في مشاكل جانبية، ونتحدث بإعطاء هذه الحقيبة لهذه الطائفة أو تلك، فلنترك المشاكل ونذهب باتجاه تأليف حكومة».
ولذلك، فإن الإيجابية التي تحدّث عنها ميقاتي تتعلّق بالسعي مجدداً إلى تأجيل البحث في مسألة حقيبة الداخلية، مقابل استكمال النقاش في توزيع الحقائب الأخرى، علماً بأن هذا النقاش يطال أيضاً الأسماء. إلا أن شيئاً لم يُحسم بعد، مع اقتناع نادي رؤساء الحكومات بأنه حتى لو تم التنازل عن حقيبة الداخلية، فإن عقبة ثانية ستبرز هي مطالبة ميشال عون بتسمية ثمانية وزراء مسيحيين، من دون نسيان مسألة تسمية الوزيرين المسيحيين اللذين سيكونان من حصة رئيس الحكومة. وفيما قرر عون وميقاتي تأجيل البحث بمسألة حقيبتَي الداخلية والعدل، وسط رفض الرئيس المكلف البحث في مسألة المداورة، علمت «الأخبار» أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أبلغ رئيس الجمهورية استعداده التخلي عن حقيبة المالية في مقابل حصوله على «الداخلية»، إلا أن هذا الاقتراح يصطدم بتمسّك ميقاتي بالداخلية.
بالنتيجة، صار المتابعون للتطورات الحكومية يدركون أن لا شيء يمكن أن يكسر المراوحة، علماً بأن نصائح تُقدّم إلى ميقاتي بوجوب أن يلتقي النائب جبران باسيل مباشرة، علّهما يجدان قاسماً مشتركاً يمكن البناء عليه لتأليف الحكومة.