كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
شكّل يوم 4 آب مناسبة عبّر فيها الشعب اللبناني عن غضبه من المنظومة التي فجّرت المرفأ والعاصمة من دون أن يرفّ لها جفن.
كان الغضب الشعبي عارما، وتشارك في التعبير عنه مواطنون من مختلف الأطياف، لكن المستغرب أن هناك مجموعات تحاول السيطرة على الثورة وحرفها عن مسارها تحت عنوان “كلن يعني كلن” أو “نحنا ضدّ الأحزاب” فيما هي مجموعات حزبية منظمة ومؤدلجة ولا تخفي تحالفها مع مشاريع عابرة للحدود.
كانت ساحة 17 تشرين تضم جميع المكونات، فهناك طبقة مقهورة تقف ضد كل السياسيين والأحزاب، وهناك جيل صاعد لا يحبّذ الأحزاب التقليدية ويسعى إلى التغيير، إضافة إلى ما يُعرف بالـ NJO وهم يمتلكون مشاريعهم الخاصة، ويحقّ لهؤلاء طرح أفكارهم ومخاصمة الطبقة السياسية والأحزاب، لكن أن يخرج الحزب “الشيوعي” وكأنه بريء مما يحصل ويناصب حزبا رئيسيا في الساحة المسيحية العداء فهذا أمر يطرح أسئلة عن الأسباب ومَن المستفيد ومَن يقف وراء تغذية الحقد وكأن الحرب الأهلية لم تنته ولا نعيش في دولة قانون.
ما حصل يوم 4 آب من مواجهات في الجميزة إثر اعتداء عناصر من الحزب “الشيوعي” على مركز لحزب “القوات اللبنانية”، يوحي كأن القيادة الشيوعية التي يتبع معظم مكتبها السياسي لحزب الله ترى أن المعركة يجب ان تتمركز في الجميزة تحت شعار “صهيوني صهيوني سمير جعجع صهيوني” إما بفعل الرغبة في التحريض أو انعدام التثقيف الحزبي بعدما أوكل، حسب شيوعيين مبتعدين، الى “جهلة يعتقدون ان كارل ماركس لا يزال على قيد الحياة”.
يُطرح سؤال بديهي وهو “من أعطى لهؤلاء الحق في تخوين الآخرين، ومن قال انه مسموح للشيوعي أن يكون في ساحة الشهداء ولا يسمح للقواتي او غيره بالتواجد في المنطقة التي تُعتبر عقر داره؟.
يحاول الحزب “الشيوعي” أن يُصوّر نفسه خارج المنظومة وأنه حزب وطني إصلاحي يحارب الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة ولا دخل له بالواقع الطائفي في لبنان، فيما هو أعتق حزب نسج تحالفا مع الكتلة السوفياتية عقائديا وتسليحياً حتى قيل انه “كلما أثلجت في موسكو لبس الشيوعيون المعاطف في لبنان”. والأمثلة على التبعية لا تحصى من وقوف الحزب مع “الحل السلمي” وعدم الاعتراض على الاعتراف باسرائيل وصولا الى تبرير الديكتاتورية واجتياح دبابات السوفيات “ربيع براغ”، من غير ان ننسى مشاركته الفاعلة والأساسية في الحرب الأهلية على كل المستويات بما في ذلك القصف العشوائي على المناطق المسيحية والسيارات المفخخة وشيطنته المسيحيين عبر تشجيعه نظرية “المارونية السياسية” و”الطائفة – الطبقة” لتبرير خوضه الحرب ضد “الجبهة اللبنانية” وإسقاط الدولة.
وفي معرض الحديث عن “الشيوعي” يجب الفصل بين القيادة وبين الأشخاص الشيوعيين واليساريين المثقفين المنفتحين والذين لا دخل لهم بسلوك قيادة خطابها خشبي وولاؤها مذهبي، فالشيوعيون الأحرار كانوا رأس حربة في انتفاضة الإستقلال، وسقط منهم شهداء وعلى رأسهم الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي الذي كان أول من أجرى نقداً ذاتياً جريئاً ومدّ جسور التواصل مع القوى السيادية. وفي السياق، فإذا كان “الشيوعي” لم يشارك في الحكم بوزراء فإنه كان من ضمن المنظومة الفاسدة، وسار في موكب الإحتلال السوري على رغم المواجهات التي دارت معه في الحرب، وعلى سبيل المثال يذكر أنه عندما وقّع وليد جنبلاط في خريف 2004 على العريضة النيابية لإطلاق سراح سمير جعجع، ردّ الرئيس بشّار الأسد باستقبال الأمين العام للحزب الشيوعي آنذاك خالد حدادة الذي أعلن مبايعته لقيادة الأسد كردّ على خطوة جنبلاط الذي كان حليف “الشيوعي” الدائم.
أما حالياً، فإن الجميع يعلم أن أحد أسباب مشكلة لبنان هو تحالف مافيا الفساد مع السلاح غير الشرعي، وبالتالي فان الأمين العام الحالي لـ”الشيوعي” حنا غريب يتحدّث عن الطبقة السياسية وحيتان المال والسلطة ولا يوجّه أي كلمة انتقاد باتجاه “حزب الله” الحاكم والذي وقف أمينه العام السيد حسن نصرالله بعد 3 أيام على إندلاع إنتفاضة 17 تشرين داعماً الطبقة السياسية الفاسدة ومهدداً كل من يقترب منها.
ولم يكتف غريب بمهادنة سلاح “الحزب”، بل نقض كل تاريخ حزبه الذي شارك في إطلاق “جبهة المقاومة الوطنية” ضد الإحتلال الإسرائيلي وسقط من صفوفه العشرات، واللافت أيضاً أن حنا غريب نسي أو تناسى هؤلاء الشهداء إضافةً إلى القادة الذين سقطوا من مهدي عامل الى حاوي حتى ذهب بعض الشيوعيين إلى القول إن “غريب هو فعلاً غريب عن نضال حاوي والرفاق”.
وهكذا فإن الحزب الشيوعي الذي يتندر بعض أعضائه بوصفه بأنه فرع الويسكي في “حزب الله” يعتبر الداعم الأول لسلطة هذا الحزب ويتطوع لخدمته في الدخول إلى مناطق لا يستطيع الدخول إليها علناً مثل الجميزة والأشرفية والصيفي، ناهيك عن دور مماثل له في بعض الجامعات. ويلاحظ ان غريب نتيجة إلتصاقه بـ”حزب الله” وقبله حدادة وعلاقته بالنظام السوري يضربان إستقلالية الشيوعي والذي أراده المؤسس فرج الله الحلو حزباً لبنانياً سيادياً يحمل أفكاراً متطورة وليس تابعاً لأحد، بل يهدف إلى إصلاح الدولة وتوعية المواطن بحقه في المساواة والعدالة، بينما عمل حاوي ورغم قساوة الحرب الأهلية ومرحلة الإحتلال على عدم التفريط بلبنانية الحزب والكيان.
في كلّ المعايير، يسقط الحزب “الشيوعي” بقيادة غريب في الإمتحان، ليتحول مع مكتبه السياسي الى “فرقة” متقدّمة تابعة لصاحبها “حزب الله”.