ليس أكيداً أن الإجتماع السادس سيعقد اليوم بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي. في الغالب يتفق الرئيسان على اللقاء ولكنه يبقى متعلقاً بمواعيد الرئيس عون. على هذا الأساس يتم الإتصال بينهما في اليوم ذاته لتأكيد الموعد بعد الظهر. اليوم سيحصل الأمر نفسه ولقاء بعد الظهر يبقى معلقاً على هذا الإتصال.
أمس أوحى الرئيس نجيب ميقاتي ببعض الإيجابية ولكن المعلومات تقول إن البحث لا يزال في القواعد العامة للتأليف ولم ينتقل بعد إلى القواعد الأساسية. لا يزال الرئيسان يبحثان في توزيع الحقائب طائفياً وسياسياً ولم يتم التوصل بعد إلى لائحة متكاملة لكي يتم الإنتقال إلى وضع الأسماء.
مصادر قصر بعبدا أوحت في الأيام الماضية أن رئيس الجمهورية يعيد طرح الأمور جذرياً وعلى هذا الأساس يتمسك بعدم احتكار أي طائفة لأي حقيبة وبالتالي يريد اعتماد مبدأ المداورة الشاملة. يطرح من هذه الخلفية حقيبة المالية التي يتمسك بها الثنائي الشيعي وكان الرئيس المكلف السابق سعد الحريري قد قطع وعداً بأن تكون من حصتهما.
ميقاتي حكى أمس ايضاً عن المداورة وقال إن الدستور لا ينص على تخصيص أي طائفة بأي حقيبة. ولكن مقاربته مختلفة عن مقاربة الرئيس ميشال عون وإن كانت مرجعيتهما الدستورية واحدة. مصادر الرئيس ميقاتي تقول إنه لا يتمسك بتخصيص اي حقيبة لأي طائفة ولكنه حريص على التهدئة السياسية، ولذلك دعا إلى عدم “الحركشة بوكر الدبابير”. ميقاتي يعتبر أنه إذا أراد عون أن تكون المالية من حصته فالطريق الذي يؤدي إلى هذا الهدف هو أن يطلبها مباشرة من حليفه “حزب الله”، وإذا وافق “الحزب” مع الرئيس نبيه بري فهذا يعني أن المداورة تكون ممكنة وأن الأمور يمكن أن تنطلق عندها من نقطة الصفر من جديد. ولكن ثمة رأيان في هذا المجال: هل يطرح عون المداورة لأنه يريد أن يحصل على الداخلية والعدل في مقابل تخليه عن التطبيق الكامل لها؟ أم أنه يريد المالية فعلاً وبالتالي يكون كمن يضع العصي في دواليب عهده؟
لذلك ترى المصادر المتابعة لعملية التأليف أن تفاؤل ميقاتي أمس كان ظاهرياً فقط حتى لا يكون سلبياً. وأنه إذا بقي عون مصراً على المداورة فسيصل حكماً إلى صدام مع الثنائي الشيعي، لأنه يسأل ويرسل ملاحظات تتعلق بهذا المطلب وكأنه لن يتخلى عنه. فهل يمكن أن يغامر بمثل هذا الموقف من أجل كسر الدائرة المفرغة التي تدور فيها عملية التأليف، منذ تكليف الرئيس سعد الحريري حتى اعتذاره ومع تكليف ميقاتي؟ وبالتالي أيضاً إذا كان “حزب الله” حريصاً على تسهيل تأليف الحكومة، وإذا كان سمّى ميقاتي على غير عادته، هل يمكن أن يتنازل عن مطلب الإحتفاظ بوزارة المالية؟ وهل هناك هدايا يكون مستعداً لتقديمها للرئيس عون قبل نهاية عهده؟
ماذا عن الداخلية والعدلية إذا؟ تعتبر المصادر أن عون لا يمكن أن يحصل على المالية والعدلية والداخلية. إذا أخذ المالية فبأي حقيبة أخرى سيطالب؟ وتضيف المصادر أنه إذا كان يناور ليأخذ العدلية والداخلية مقابل بقاء المالية مع الثنائي الشيعي، فهذا يعني أن الهدف قد يكون متعلقاً بالتأثير على مجرى الإنتخابات النيابية نظراً للواقع الشعبي المتداعي الذي يعيشه “التيار الوطني الحر”، ونظراً لكون من تجمّعوا حول الرئيس في انتخابات أيار 2018 سينفضّون تباعاً من حوله قبل نهاية عهده. وهذا يعني أنه سيخسر كتلة العهد القوي بعد خسارة جزء من “كتلة التيار”. ومهما يكن، فإنه لن يستطيع أن يأخذ الداخلية والعدلية وكل الطروحات التي تحكي عن أن يكون وزير الداخلية سنياً ويسمّيه عون ويوافق عليه ميقاتي، مقابل أن يسمّي ميقاتي وزير عدل مسيحياً ويوافق عليه عون، لا يتعدّى الكلام الذي تمحوه التجارب والأيام لتبقى عملية التأليف واقفة عند نقطة الصفر.
على رغم كل ذلك يبقى ميقاتي متمسكاً بمتابعة عملية التأليف. هو يريد بحسب مصادر قريبة منه أن يستفيد قدر الإمكان من الدفع الدولي في اتجاه تأليف الحكومة مراهناً على أن هذا الدفع، الذي تجلى في مؤتمر باريس قبل يومين وفي موقف الإدارة الأميركية أمس، وفي كلام البابا فرنسيس وفي وعود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، فرصة لا يجب أن تضيع على لبنان. أكثر من ذلك فقد ذكّرت هذه المصادر بقول ميقاتي إنه سيتدخل شخصياً في كل القرارات المالية والتي تتعلق بالخيارات الأساسية التي تدخل ضمن عملية الإنقاذ المطلوبة وتحت سقف شروط المساعدات الدولية. وهو بذلك يؤكد أنه وأياً تكن هوية من يتولى هذه الحقائب فإن عمله سيكون تحت هذا السقف.
هناك إنسجام مطلوب مع السياسة الدولية الرامية إلى مساعدة لبنان على إنقاذ نفسه ولا يمكن تحقيق أي نجاح خارج هذا السياق. وهو لذلك يعتبر أن التركيز يمكن أن يكون أكبر على حقيبة الطاقة مثلاً وعلى حقائب الخدمات ويفضل أن تكون بيد اختصاصيين. وتسجل المصادر القريبة منه أنه لا يلاحظ أن عون لا يزال متسمكاً بها. وتضيف أن ميقاتي يضع أمامه هدفين رئيسيين: المساعدات الدولية وتأمين الحصول عليها واستثمارها في سبيل الإنقاذ، والإنتخابات النيابية حتى تكون مقدمة لعملية التغيير الإيجابية التي يمكن أن تحصل في السياق ذاته، وهي باتت أيضاً كما الحكومة مطلباً دولياً. ولكن في النهاية تقول هذه المصادر إنه لا يمكن العبور إلى عملية التأليف إلا بعد موافقة الرئيس عون وتوقيعه. فهل يدرك الرئيس أن عليه أن ينقذ عهده أم يعتبر أن خسارته ما بعد نهاية عهده، إذا كانت أكيدة، لا تضطره الى تقديم هدايا لمن يعتبر أنهم سيأتون بعده. يفضل عون أن يخسر كل شيء على أن يدع غيره يربح أي شيء.