كتبت زينة طبارة في “الأنباء الكويتية”:
منذ عام، تصدرت صورة الممرضة باميلا زينون وهي تحتضن ثلاثة اطفال حديثي الولادة، وتهرع بهم خارج مستشفى القديس جاورجيوس، الذي دمره انفجار مرفأ بيروت، وحوله بدقائق معدودة الى ساحة معركة، لا صوت يعلو فيها على اصوات الاستغاثة، ولا رائحة تفوح منها سوى رائحة الموت والدماء.
لم تكن باميلا تعلم اي شيء عن الاطفال، لا من اي جنسية هم، ولا من اي دين ومنطقة، حملتهم بروح المهنية المتجسدة في ضمير ووجدان شابة، ابت الا ان تتحدى الخوف وتصارع الاستسلام وتجابه المخاطر، لإنقاذ حياة الأطفال الأبرياء.
بعد مرور سنة كاملة على انفجار العصر، عادت «الأنباء» والتقت ملاك الرحمة باميلا زينون، التي أكدت في حديث معها، انها لم تكن تنتظر يوم الرابع من آب 2021، لتستعيد ذكرى الانفجار وصوره الأليمة، لأن تداعياته على المستويين النفسي والعملي، كانت ومازالت حتى اللحظة، تحصد ما زرعته أيادي الموت والدمار، خصوصا أن القلق على مصير لبنان، نصب نفسه رفيقا حاضرا دائما في عقلها وذهنها، على امل ان يتبدد هذا الخوف مع وصول التحقيقات الى الكشف عن حقيقة ما حصل، ولماذا حصل، ولصالح من حصل.
تسكت باميلا لهنيهة، ثم تبتسم وتقول: «الثمرة الوحيدة التي قطفتها من ذكرى ذلك اليوم المشؤوم، هو ان الأطفال الثلاثة كبروا سنة، وهم اليوم بصحة جيدة، ولا يمكن لأحد أن يثمن حجم سعادتي لحظة احضنتهم وحملتهم من جديد، مع فارق بسيط، ان اوزانهم تضاعفت عما كانت عليه في اليوم الثاني من قدومهم الى الحياة قبل عام، شعرت ان حبي لهم يتساوى مع حب الأم الحقيقية، وان لهم في قلبي مكانة خاصة بالتوازي مع مكانة عائلتي، لم اكن اعلم في بداية الأمر انهم من غير ديني، ومن الطائفة الشيعية الكريمة، والحق الحق اقول، ان العبرة التي اختبرتها في هذه التجربة على مرارة تفاصيلها، عبرة بحجم أوطان وأمم، وهي انه لا فرق بين مسلم ومسيحي في بيدر الانسانية الصادقة».
وان سألتها عن مقاربة تفصيلية لمعنى هذا الحب الصادق والكبير لأطفال من غير بيئتها، تعود باميلا الى لغة السكوت ولو للحظات قليلة، فتتنهد بعدها استعدادا لتوجيه رسالة الى الاحزاب الطائفية التي كانت سبب خراب لبنان وانهياره، فتقول: «انظروا الى قصتي وتمعنوا بتفاصيلها، وخذوا منها الحكم والعبر، وكل ما يؤمن حق هذا البلد المريض، بأن يكون متعافيا من ورم العصبيات الطائفية والمذهبية، الشعب اللبناني طيب وكريم، ويستحق العيش بكرامة يدا بيد وجنبا الى جنب مسلمين ومسيحيين».
وعن توقعاتها لنتائج التحقيق العدلي حول انفجار المرفأ، تقول باميلا: «لا اريد تقييم عمل القاضي طارق بيطار، الذي اتمنى له النجاح في مهمته، والوصول الى الحقيقة المدموغة بالأدلة والقرائن، ولا أريد ايضا ان أستبق التحقيق وألقي باللوم على هذا وذاك، فجل ما استطيع قوله الآن، هو ان كل من كان على علم بوجود النيترات في المرفأ، ولم يحرك ساكنا لتفادي الفاجعة، ارتكب خطيئة مميتة بحق الله والانسانية، وبحق لبنان واللبنانيين كل اللبنانيين، من هنا اتمنى على المسؤولين في بلدنا، ان يتعاملوا برفق وعاطفة مع الشعب اللبناني، تماما كما تعاملت انا بعاطفة جياشة، مع اطفال ملائكة لا ذنب لهم، سوى انهم ولدوا على مقربة من المرفأ».