كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
خيّم المشهد الأمني على ما عداه، تناسى الجنوبيون ازمة البنزين وفقدان المازوت والتقنين القاسي جداً في التيار الكهربائي والاشتراك، وذهب الجميع لمتابعة مجريات التطورات الامنية على الحدود مع فلسطين المحتلة، وتحديداً في كفرشوبا ومزارع شبعا، فالعين كلها على رسم قواعد الحرب والسلم اليوم، وتعزيز قواعد الردع كي لا يتمادى العدو الصهيوني اكثر في اعتداءاته على قرى جنوب لبنان، كما حصل يوم الخميس الفائت من قصفه بالصواريخ بلدتي الدمشقية قضاء مرجعيون، ومخيم الرشيدية في صور.
لم يكن ردّ المقاومة بصليات صواريخ موجهة ضدّ العدو الصهيوني المرابض على تلال مزارع شبعا وكفرشوبا مفاجئاً، بل كان متوقعاً لتكريس معادلة جديدة، الاعتداء بالاعتداء، حتى أن أحداً من اهالي قرى النبطية والشريط الحدودي لم يتأثر بما حصل، بقيت الحياة على طبيعتها، مع متابعة اكثر لمجريات الأوضاع، فالكل يدرك أن اسرائيل اجبن من أن تشنّ حرباً واسعة على جنوب لبنان في هذا التوقيت، وأن الرد سيكون محدوداً لا اكثر.
على مدى ساعتين ونصف تقريباً من قبل ظهر الجمعة، انشغل الاهالي بمواكبة ما يحصل على الحدود، استغلوا وجود التيار الكهربائي قبل أن ينطفئ، يؤكد كثر على صوابية قرار رد المقاومة كي لا يتمادى العدو اكثر، ويجزمون بأنه يسعى لحرب ولكنه يخشى منها، قد يستغل الوضع الاقتصادي والمعيشي المهتزّ داخلياً، وانشغال الاهالي في بحثهم عن لقمة عيشهم، غير أنه، وفق ابو رياض، جبان، وحين تدق الساعة الكل يدافع عن لبنان.
مما لا شك فيه ان الرد والرد المضاد أكدا على قواعد الاشتباك وان أحداً لا يريد فض قواعد الردع القائمة، غير أن رد المقاومة كان مثابة رسالة واضحة للعدو بأنه سنردّ على كل اعتداء بالطريقة نفسها.
وبعيداً من العمل العسكري، كان الاهالي في قرى النبطية يبحثون عن بضعة ليترات غير متوفرة من المازوت، يريدون تسيير اعمالهم المتوقفة بسبب انقطاع الاشتراك، فالكهرباء بالكاد تحضر ساعتين في النهار، وبدأ يشكل غياب المازوت تهديداً حقيقاً للأعمال سيما آليات جمع النفايات التي بدأت تتوقف والنفايات تتكدس في الطرقات، مهددة بانتشار الكلاب الشاردة التي اصطادت بالامس طفلين في بلدة الدوير عجز اهلهما عن ايجاد الدواء لهما، الى ان تم توفيره في مركز اليونيفيل في الناقورة.
يعبر المواطن من قرب النفايات التي تفوح رائحتها قرب محطة المحروقات ولا يغضب، فرائحة العفن المنبعثة منها أفضل من رائحة الذل الذي يواجهه يومياً على محطات محروقات امتهنت لغة الذل، بل تلازم البقاء مقفلة عن قصد، على عكس باقي محطات المحروقات خارج المنطقة التي تعمل بشكل عادي، لا يعنيه مشهد النفايات المكدسة التي توازي مكباً صغيراً محاذياً لسيارات الناس، ما يهمه أن يؤمن مادة البنزين والقليل من المازوت لمولده الصغير، لقد عاود اصلاحه بعد توقف لسنوات طويلة، نفض الغبار عنه وأخضعه لصيانه عاجلة فالكهرباء باتت من الاحلام في لبنان والاشتراكات باتت غب طلبة العتمة، فلم يجد غير المولد القديم أمامه، وبالتالي فإنه يتحمل رائحة النفايات الكريهة ولا يتحمل العتمة والحر، مثله مثل سكان الاحياء المطلة على مكبات النفايات في شوارع تول، لم تؤثر بهم رائحتها، فصاحب الدكان يريد كهرباء لا تتلف المثلجات في براده لئلا تصيبه نكسة مادية، وربة المنزل تريد كهرباء لثلاجتها فهي اغلقت كل نوافذها بإحكام كي لا تتسلل روائح النفايات الى منزلها، تتحمل “الشوب” ولكنها لا تحتمل العتمة والانقطاع عن العالم الخارجي، اذ يسجل غياب تام لشبكة الهواتف، تحديداً “ألفا” مع انقطاع التيار الكهربائي حتى ان شبكة “ام تي سي” في زوطر الشرقية أُطفئت بعد نفاد المازوت منها، أي ان دورة الحياة باتت متوقفة على المازوت، والاخير غائب حاضر في آن.
قبل مدة بدأت معظم البلديات تواجه ازمة فقدان المازوت وتتوقف آليات جمع النفايات لديها الواحدة تلو الاخرى، وجاء اضراب عمال جمع النفايات في كل منها ليكدّسها في الطرقات والاحياء، سيما وان كل بلدية هي الوصي المباشر على جمع نفاياتها ونقلها الى مكبات خاصة لديها، بعد فض اتحاد بلديات الشقيف عقد الشراكة مع شركة نسيم ابو حبيب قبل ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الحين والبلديات تتخبط في هذه المشكلة، غير انه قبل ثلاثة ايام جرى تلزيم شركة يامن جمع النفايات بكلفة سنوية تقارب الـ١٣ مليار ليرة، لكن الشركة وفق المعلومات لم توقع العقد حتى الساعة وربما تعيد درس الكلفة سيما مع ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
مجدداً غرقت القرى بالنفايات لتضاف الى سلة هموم المواطن همّاً اضافياً، وكأن معاناته لا تكفيه الا وأضيف سمّ جديد له ولكن هذه المرة الاصابة بأي حمى جراء روائح النفايات ستكون كارثية لان الدواء مش موجود.. وعليه فالمواطن يئن ولا من يسأل.