Site icon IMLebanon

بين 17 تشرين و4 آب: محاسبة شعبية وبرامج جبهوية

كتب عمّار نعمة في “اللواء”:

بعد كل ذلك الدفق الشعبي والعاطفي الذي انعكس جياشا في ذكرى 4 آب، يُطرح السؤال الأهم: ماذا تحقق عبر إحياء تلك الذكرى المأساوية بكل ما حملته من آلام حاضرة دوماً لدى عائلات الضحايا ومعهم اللبنانيين، وآمال بغد أكثر عدالة؟ ويتبعه سؤال اكثر اهمية: ماذا بعد؟

هذان السؤالان يتكرران مع كل حدث تتوالده الايام مع استمرار هيمنة المنظومة على صدور اللبنانيين رغم فشلها، والاهم، نهبها لمقدراتهم، هم الذين رفعوا الصرخة مع كل ذكرى شهرية للمأساة، لكن شرائح واسعة، في الشارع وخارجه، قالت كلمتها في مشهدية 4 آب الأخيرة لتسقط أقله الحصانة المعنوية للمنظومة ومعها هيبتها.

ورغم محاولة كثيرين اضفاء الطابع الطائفي على المأساة، فإن المعنيين من أهالي الضحايا والمتعاطفين، وبمسؤولية وطنية كبرى، أضفوا العنفوان الوطني وهم بتصميمهم على العنصر الجامع خارج الطوائف والمذاهب التي يريد اهل السلطة تشويه حراك 17 تشرين و4 آب بها، أكدوا أن العدالة والمحاسبة لا تقتصران على الاقتصاص من القتلة، بل إنهما يشكلان عنوان التغيير على طريق بناء دولة القانون والمواطنة، الدولة المدنية الحقيقية وهي على غير شاكلة المدنية المشوهة للدولة اللبنانية الحالية التي تدّعي الحداثة وهي الغارقة في الاحقاد والحروب التي لا تنتهي.

إنه تاريخ جديد يريد كثيرون كتابته بالدماء ويتوسلون به التغيير باللّحم الحيّ مدركين لصعوبة المهمة تحت عنوان «لن ننسى.. لن نسامح».

وعلى جدول الاعمال الكثير من الاهداف بعيدة المدى ومتوسطته وتنوي مجموعات التغيير من حراك مدني واحزاب وتيارات من خارج منظومة الحكم، تفعيل ما يسميه هؤلاء بـ«المحاسبة الشعبية» قبل حتى «المحاسبة القضائية».

وعلى المدى القريب ينتصب مطلب رفع الحصانات وتعرية المتورطين في الجريمة وهم يأتون أصلا من رحم منظومة الحكم، ودعم العدالة والتحقيق في المأساة وحمايته في مرحلته الدقيقة اليوم.

أما الهدف الاكبر فيبقى على المدى البعيد: إرساء نظام مدني يقوم على مبادىء القانون والإستقلالية والعدالة الاجتماعية ورفض حكم الطوائف لترسيخ ديموقراطية لم تقترب الفوقية اللبنانية منها يوما منذ إنشاء الكيان.

إنها دولة تقوم على العقد الاجتماعي الذي يكرّس الممارسة الديموقراطية وحكم القانون والمساواة بين جميع اللبنانيين واللبنانيات، ويحترم حقوق الإنسان والحريات العامة والفردية كمبدأ عام نابذ لكل أشكال القمع.. حسب الحراكيين.

وبين هذين المديَين القريب منهما والبعيد، يؤكد الناشطون ان المعركة في الشارع مستمرة وسط مواجهة مفتوحة، ويشير هؤلاء الى ان معنى المحاسبة الشعبية يعني ملاحقة المسؤولين في اماكن عملهم ومنازلهم، مثلما يعني مقارعة تلك الدولة العميقة في صناديق الاقتراع مع مواجهة اي مسعى لضرب هذا الاستحقاق او تأجيله.

أما المطالب فيبقى غالبها لم يتغير بالنسبة الى بعض الجبهات التي تشكلت مؤخرا.

صياغة البرنامج.. وبطء في التحضير

ولعل اهم تلك الاهداف التي تشكل مسار بحث بين مجموعات الجبهات وخاصة داخل «نداء 13 نيسان»، الأكثر جديّة بين الجبهات قيد التشكيل، هو فرض حكومة إنقاذ وطني بصلاحيات تشريعية استثنائية لمدة محددة، خلال مرحلة انتقالية على ان تكون من خارج أحزاب الحكم تتولى هي إجراء الانتخابات في موعدها المحدد وتتعهد بتنفيذ برنامج طموح.

وتشير ادبيات المجموعات لتشكيل البرنامج السياسي والاقتصادي المطلوب، اضافة الى ما هو متعارف عليه، الى:

المباشرة بالتدقيق المالي الجنائي في مختلف مؤسسات الدولة بدءاً بمصرف لبنان وتحديد مسؤوليات الانهيار المالي بهدف المحاسبة وتفعيل ودعم أجهزة الرقابة كافة وتعزيز استقلاليتها. إقرار قانون القيود على حركة الرساميل «كابيتال كونترول» مع مراجعة التحويلات إلى الخارج منذ دخول الهندسات المالية حيز التنفيذ في العام ٢٠١٦، مع التركيز بشكل أولوي على النافذين السياسيين، وعلى من استفاد من احتكارات الدولة..

ثم بدء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي وأي من المؤسسات المانحة. وطبعا محاسبة الفاسدين على أساس قانون الإثراء غير المشروع، والعمل الدؤوب على استعادة كل الأموال التي نُهبت والأموال الناتجة عن التهرّب الضريبي بموجب آليات التعاون القضائي بين الدول.

وبالتأكيد يأتي أيضا بند إقرار قانوني استقلال القضاء العدلي والإداري اللذين قدما إلى مجلس النواب.

لعل تلك المطالب ستشكل برنامجا انتخابيا شاملا مع بدء العد العكسي للانتخابات المقررة بعد اشهر، ويأتي هنا السن الفوري لقانون للأحزاب ينظم عملها وتمويلها، واجراء الانتخابات النيابية والبلدية في موعدها وتوسيع صلاحيات هيئة الاشراف على الانتخابات وتعزيز استقلاليتها، وطلب مراقبة دولية للعملية الانتخابية.

على إن الجبهة لا تريد حلفاً سياسياً ظرفياً، بل تريد التفاهم على بلورة خطاب سياسي وطني، وثمة عمل على توحيد الجهود مع الجبهة التي يصيغها حزب «الكتائب» من دون ترجيح ان يحصل ذلك، أقله في المدى المنظور.

لكن يعيب تلك الجبهات البطء ونقص الكادر السياسي المخضرم والتنافس بين بعضها البعض.. وطبعا محاولة بعض أركان الحكم ولوج تحركاتها واستثمار «الثورة» عبرها.