IMLebanon

الشهداء الأحياء لم ولن يكونوا شهداء زور

كتب فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:

نتذكّر تفجير 4 آب 2021، وهو أكبر ثالث انفجار في العالم، والذي نَجم عنه استشهاد، وبالأحرى اغتيال، اكثر من 210 شهداء من إخوتنا اللبنانيين، وإصابة أكثر من 6 آلاف جريح، وتشريد أكثر من 300 ألف لبناني، وهو بالحقيقة محاولة اغتيال أكثر من 5 ملايين لبناني، حيث يسلكون يومياً هذا الطريق مرات عدة في النهار.

لن ننسى، إنها أيضاً محاولة اغتيال الإقتصاد اللبناني الأبيض، والشركات والريادة، إنها محاولة اغتيال الأحلام والأهداف النبيلة والتطور والتطوير، إنها محاولة اغتيال الحق والتحقيق، والعدل والعدالة، والحقيقة الشفّافة.

إن أكبر تفجير في العالم ليس ناجماً عن حرب أو حروب، لكنه الوحيد الذي يقع على عاتق مسؤولية أركان البلاد من البداية إلى النهاية: لم يعد سراً خافياً على أحد أنّ هذه المواد المدمّرة صُدّرت واستُوردت إلى لبنان بعِلم بعض اللبنانيين، وقد خُزّنت 7 سنوات تحت بيوتنا بعِلم المسؤولين. وقد تفجرت من وراء قلّة مسؤولية بعض اللبنانيين، وللأسف دفع ثمنها الباهظ كل اللبنانيين في لبنان والعالم.

لا شك في أنّ هناك مسؤولية مباشرة وغير مباشرة، بالعلم أو بالجهل. وللذين طَمروا رؤوسهم في التراب وأغمضوا أعينهم، نؤكد انّ الدولة وكل أركانها هم المسؤولون عن هذا التفجير (وليس الإنفجار) الذي وقع في أراضيها، وتحت سيطرتها ومراقبتها الوهمية، وحدودها المخترقة كالمصفاة.

إنّ هذه الجريمة الإرهابية في حق الوطن والشعب، لم ولن ننساها لا اليوم ولا في الأجيال المقبلة، حيث ستحفر عميقاً في قلوبنا، وستُكتب في التاريخ من دماء الشهداء والمصابين ودموع الأهالي المفجوعين، ولن تُغفر.

إننا جميعاً كشهداء أحياء لدينا مسؤولية كبرى تجاه أهلنا وإخوتنا الذين دفعوا الثمن المرّ، جرّاء هذا الاغتيال والتفجير الإرهابي والإجرامي. بإسمهم مسؤوليتنا ليس في الثأر، لكن في الحق والحقيقة والأحكام.

إن الإجرام ليس فقط المجرمين الأساسيين، الذين استوردوا وخزّنوا وصدّروا هذه المواد الإرهابية، لكن على العدالة أن تلحق بِمَن اختبأ وراء إصبعه وحتى وراء حصانته والمسؤولين المباشرين وغير المباشرين، لأنّ هناك منفذين، لكن يصبحون شركاء الذين يطمرون رؤوسهم أو يُخبّؤن معرفتهم أو يغسلون أيديهم مثل بيلاطس.

إن المسؤولية الكبيرة اليوم تقع على عاتق الشعب اللبناني، لأنه الوحيد الذي باستطاعته ملاحقة المجرمين ومحاسبتهم، وأصبح واقعاً أن الحق لا يُؤخذ إلا بيديه.

نتمنى اليوم أن يفجّر ثالث أكبر انفجار في العالم، والذي فجّر أرواحنا وقلوبنا، ضمائرنا وإرادتنا وعنفواننا لإعادة إعمار أنفسنا، ومن ثم إعادة إعمار مجتمعنا قبل إعادة إعمار مرفئنا.

لا نريد إعادة إعمار المرفأ على جثث إخوتنا قبل معرفة الحقيقة، ومحاسبة المسؤولين ومحاكمتهم، لأنّ إعادة إعماره في الجو الحالي، ستُفيد فقط المجرمين الذين سيُعيدون أعمالهم المشبوهة من دون أن يرف لهم جفن وبكل وقاحة.

في هذه الذكرى الأليمة، إنّ الدموع والحزن والقلق والذل يكمن في نفوسنا، لكنه الوقت الآن للتآزر الحقيقي وتشابك الايادي البيضاء، لنثور سوياً شباباً وشيوخاً، طلاباً وأساتذة، عمّالاً وأرباب عمل، مناصرين ومستقلين، مقيمين ومغتربين وقطاع خاص وقطاع عام، تحت شعار واحد هو المطالبة بالحق والتحقيق الشفاف، والملاحقة والتنفيذ والمحاكمة وهي الحجر الأساس للتغيير.

كلنا اليوم شهداء أحياء، وأتمنّى ألاّ نتحول إلى شهود زور، وألاّ نختبىء وراء أصابعنا ونطمر رؤوسنا بالتراب كالمسؤولين، لكن أن نكون مطالبين بالحق والحقوق، بالعدل والعدالة ليس فقط لنا، بل أولاً ًلشهدائنا، ومن ثم لأولادنا والأجيال المقبلة.