فشل الجميع حتى اليوم في مواجهة “حزب الله” الذي قوّض الدولة في لبنان بكل مؤسساتها. آخر معالم هذا التقويض تمثّل في هجوم السيد حسن نصرالله على المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، بعدما اتهمه بتسييس التحقيق. نصرالله نفسه كان رفض أي تحقيق دولي، وبرفضه عمل المحقق العدلي إنما ينسف كل محاولات كشف الحقيقة في أخطر جريمة ضربت لبنان.
هذا النموذج، إذا أضيف إليه كل ما جرى على صعيد تقويض علاقات لبنان الدبلوماسية مع الدول العربية والغربية، وتعطيل عمل المؤسسات الدستورية تكراراً، وضرب هيبة المؤسسات العسكرية والأمنية، إضافة إلى تعريض لبنان للعقوبات الأميركية والتسبب بشكل أساسي في الانهيار الكبير، يؤكد أن نهوض لبنان من أزماته لا يمكن أن ينجح ما لم يكن في رأس سلّم الأولويات العمل على استعادة سيادة الدولة بشكل كامل على أراضيها وقراراتها، إضافة طبعاً إلى ضرورة محاربة الفساد التي لا يمكن أن تتم من دون إنجاز السيادة أولاً.
إنطلاقاً من كل ما تقدّم، وانطلاقاً من كل التجارب التي مررنا بها منذ 17 تشرين الأول 2019 وحتى اليوم، يتأكد أن المشكلة في لبنان لا تتعلّق بالحاجة إلى “وجوه جديدة” كما يدّعي البعض، أولاً لأن لا وجوه جديدة بالفعل في لبنان بل إن كل وجه مرتبط بشكل أو بآخر بطرف سياسي، والأمثلة أكثر من أن تُحصى من بين المجموعات التي تدّعي أنها “ثورية”.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن شربل نحاس الذي يقود حركة “مواطنون ومواطنات في دولة” هو وزير سابق لمرتين، مرة في أسوأ عهود الاحتلال السوري، عهد الرئيس الأسبق إميل لحود، ومرة ثانية مثّل فيها تكتل رئيس الجمهورية الحالي ميشال عون وفريقه السياسي، وبالتالي فهو ليس بوجه جديد بل يخرج من قلب التركيبات السابقة، كما أنه لطالما اشتهر بعلاقته الوطيدة مع “حزب الله”.
مثال آخر هو المحامي واصف الحركة الذي يفاخر بأنه من الثورة، وهو بكل بساطة ينتمي إلى حزب البعث وتلقى دعم الحزب السوري القومي الاجتماعي في الانتخابات النيابية الأخيرة، كما أن شقيقه يشغل منصباً أمنياً رفيعاً في الشمال، ما يجعله من صلب 8 آذار وليس بعيداً عن “حزب الله”، وبالتالي فهو ليس وجهاً جديداً وينطلق من انتماءاته السابقة في تعاطيه السياسي.
كما يمكننا أن نسأل: هل تشكل النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان وجهاً جديداً؟ الجواب هو حتماً كلا، لأنها إعلامية من قلب المنظومة القديمة باعتراف الجميع، ولو أنها حاولت الخروج منها مؤخراً.
هذه الأمثلة لا تهدف إلى التجريح بأي من الأشخاص المذكورين، إنما للتأكيد على أن لا وجوه جديدة في لبنان، وليس مطلوباً استيلاد وجوه جديدة. لا بل المطلوب وبشكل واضح هو مشروع جديد لطريقة الحكم والعمل في الشأن العام في لبنان يتبنّاه أشخاص سياديون بامتياز ولا يتبعون لـ”حزب الله” ومحور الممانعة، كما ويتّصفون بالنزاهة وممارستهم تشهد لهم بالابتعاد عن الفساد.
المطلوب مشروع جديد يقارب الإشكاليات المطروحة على الساحة اللبنانية بجرأة وبشفافية، ويحمل حلولاً للأزمات الخانقة، تنطلق من ضرورة استعادة السيادة أولاً، إضافة إلى برنامج اقتصادي ومالي إصلاحي يؤسس لمرحلة جديدة من الحكم في لبنان، من دون أن ننسى أهمية تحقيق إصلاحات سياسية أساسية لا مفر منها لتطوير النظام.
بهذه المعادلات وحدها يمكن التأسيس للمستقبل على قاعدة الإيجابية في التعاطي، عوض الانغماس في حروب إلغاء يمارسها البعض الدخلاء على مفهوم الثورة فيما هم يشكلون امتداداً لمحور الممانعة بتلاوين مختلفة ليس أكثر!