كتبت ميسم رزق في “الاخبار”:
تستعدّ الهيئة العامة في مجلس النواب لجلسة «ملتهبة» لاتخاذ قرار في ما يتعلق بإقامة لجنة تحقيق برلمانية لمحاكمة الوزراء السابقين (نواب حاليين) الذين طلبَ المحقق العدلي طارق بيطار رفع الحصانة النيابية عنهم. المزايدة السياسية ستكون في أعلى درجاتها، بينما لا يزال موقف الرئيس سعد الحريري ملتبساً
حتى الآن، تأكّد بأن ملف التحقيق في تفجير المرفأ دخلَ كغيره مِن الملفات في البازار السياسي. وكما باقي الملفات، صارَت له فصول كثيرة تدفَع باتجاه تضييع الحقيقة بدلاً من محاسبة المتورطين الحقيقيين. وحول كل فصل منها انقسام حادّ، سيتظهّر أحدها خلال الجلسة التي دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى عقدها يوم غد الخميس للنظر في قرار الاتهام الموجّه إلى عدد من الوزراء، وفقاً «للمادة 22 معطوفة على المادة 20 من القانون 1390 (أصول المحاكمات أمام المجلس الأعلى المنصوص عليها في المادة 80 من الدستور)».
وحتى الآن أيضاً، تأكد بأن الأيام الماضية التي سبقَت الدعوة تخلّلتها حركة اتصالات كثيفة «متشنجة»، وخاصّة بعدَ التوقيع على عريضة «طلب اتهام وإذن بالملاحقة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، استناداً إلى القانون 13 الصادر عام 1990». إذ جرّت هذه التواقيع لنواب من كتل (حركة أمل، حزب الله، المردة، المستقبل والنواب عدنان طرابلسي وسليم سعادة ونقولا نحاس) حملة بعنوان «نواب العار» و«نواب النيترات» أدت إلى سحب نواب من المستقبل والثلاثة الأخيرين تواقيعهم بشكل شفهي، قبلَ أن ينضم الرئيس سعد الحريري إلى المزايدين، طارحاً في مؤتمر صحافي اقتراحاً لرفع الحصانات عن الجميع، بمن فيهم رئيس الجمهورية، ويُرسِل وفداً من كتلته برئاسة النائبة بهية الحريري لإقناع الكتل النيابية به.
ولأن الاقتراح الذي تقدّم به الحريري ويقضي بتعليق المواد الدستورية، يحتاج إلى دورة انعقاد عادية، ظلّت العريضة التي وقّعها النواب بهدف توجيه الاتهام ورفع الحصانة عن ثلاثة نواب حاليين بصفتهم وزراء سابقين، وهم: علي حسن خليل، غازي زعيتر ونهاد المشنوق لإحالتهم إلى المحاكمة أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، هي حديث الأسبوعين الماضيين بين الكتل ومادة للأخذ والردّ.
وعلمت «الأخبار» أن «انقساماً في الرأي سادَ كتلة المستقبل بشأن رفع الحصانات بين من وقف ضد التصويت على طرح تشكيل لجنة تحقيق برلمانية، وبينَ السير بشكل موازٍ، فتصوّت الكتلة على محاكمة الوزراء المتهمين أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، بانتظار أن يحلّ موعد الدورة العادية فيعاد طرح اقتراح الحريري بتعديل المواد الدستورية». ووفقَ المعلومات أن «اتصالاً جرى بين بري والحريري بهذا الشأن، وكانت أجواؤه سلبية بسبب إصرار الحريري على موقفه من التصويت ضد لجنة التحقيق البرلمانية، قبلَ أن يتعهّد بإعادة النظر بقراره».
ولم تُحصَر هذه الاتصالات بين بري والحريري فحسب، بل استُتبعت باتصالات مع عدد من الكتل، ومنها كتلة «ضمانة الجبل» التي تضم النواب: طلال أرسلان، ماريو عون، سيزار أبي خليل وفريد البستاني. وفي هذا السياق، سئِلَ أرسلان عمّا إذا كانَ سيصوّت على تأليف لجنة تحقيق برلمانية أم أنه سيأخذ الموقف نفسه مع التيار الوطني الحر الذي يرفض العريضة ويُصرّ على محاكمة الوزراء المتهمين أمام المحقق العدلي في القضية طارق البيطار؟ وبينما كانَ ردّ ارسلان بأن «الدستور واضح لجهة محاكمتهم أمام المجلس الأعلى لا أمام المحقق العدلي، وبالتالي فإن صوت أرسلان سيكون لمصلحة لجنة التحقيق النيابية»، إلا أن ما هو مؤكد أن باقي أعضاء الكتلة سيلتزمون بموقف التيار الوطني الحر المعارض لاقتراح إقامة لجنة تحقيق برلمانية.
عدم اتضاح المواقف قبل أيام من موعد الجلسة يشي بأن أجواءها ستكون «ملتهبة». ذلك أن الكتل المعارضة لمحاكمة الوزراء أمام المجلس الأعلى، وتحديداً التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي، الذين هم في الأساس سبَق أن رفضوا اقتراحات قوانين لرفع الحصانات.
أما في المسار الدستوري، فسيواجه هذا الملف في الهيئة العامة خلافات بشأن المواد التي تُشير إلى كيفية محاسبة «المتهمين». فالمادة التي ينطلق منها القاضي بيطار في النظام الداخلي تتناول آلية رفع الحصانات عن النواب في حال ارتكابهم جرائم جزائية. إنما من يتهمهم بيطار من باب الإخلال بالعمل الوظيفي هم وزراء وليسوا نواباً. ولأن الكتل النيابية التي تدعم رأي المحقق العدلي ستستخدِم هذه المادة لتدعيم موقفه، فقد أضافت مصادر نيابية هذه «الإشكالية» إلى باقي الخلافات، مشيرة إلى أن «الموقف الملتبس لبعض الكتل يفتح المجال أمام مفاجآت كثيرة في الجلسة المقبلة».