Site icon IMLebanon

إنقطاع المازوت… الشعب يأكل بعضه بعضاً

كتب مايز عبيد في “نداء الوطن”:

أضحى فقدان المازوت مشكلة المشاكل، وتأمينه أصعب المصاعب، ومن دونه لا شيء يشتغل، فهو شغل الناس الشاغل. إنها حرب استنزاف للشعب وحياته وموارده وهي أخطر بكثير من الحرب المعلنة.

هذا باختصار وضع الناس والمواطنين في عكار وطرابلس ومناطق الشمال، الذين يقضون أيامهم في البحث عن المازوت، كلٌ في قطاعه؛ ومعظمهم عبثاً يحاولون.

القِطاع بكسر القاف أو القُطّاع بضمّ القاف، ومع الفارق اللغوي البعيد بينهما إلا أن التعبيرين يجمعهما شيء واحد هو المازوت. في الشمال كل القِطاعات متوقفة تقريباً عن العمل لأن عملها بالأساس يتوقف على وجود المادة. وقُطّاع الطريق هم الآخرون أعمالهم تنشط مع وصول شحنات المازوت إلى المناطق فيسطون ويستولون عليها لتفريغ أجزاء من حمولتها أو كلها في مناطقهم. ومع أن هذا التفريغ يحصل مقابل تأمين ثمن هذا المازوت، إلا أن الفكرة نفسها لم ترق لعموم الناس لأنها تحرم منطقة من مازوتها لصالح منطقة أخرى، مع أحقية كل المناطق بالحصول على حاجياتها من المادة. وعن عمليات اعتراض الصهاريج التي تحصل جهاراً نهاراً في عكار وطرابلس والمنية ومؤخراً في الكورة فحدّث ولا حرج.

موضوع المحروقات بكل أشكالها هو عبارة عن فوضى متنقلة بين المناطق تنذر في القادم من الأيام بأبشع الصور والمشاهد ليس أقلها قتل الأنفس على محطات البنزين. أسئلة كثيرة يمكن أن نسألها في هذا الصدد. من هم هؤلاء الذين كلما اتجه صهريج من منطقة إلى أخرى هبّوا وانقضّوا عليه؟ من يحمي هؤلاء ومن يقف وراءهم؟ أوليست الأجهزة الأمنية على علم بكل ما يحصل؟! فأين هي مما يحصل؟ عندما تطلق مثل هذه الأسئلة تتلقى العديد من الأجوبة عليها. فثمة من يقول: “إن هؤلاء هم ثوار 17 تشرين الذين تحولوا لاحقًا قطّاع طرق”، وهذا ما ينفيه أكثر من مصدر من ثوار 17 تشرين ويؤكدون أنهم “لم يروا هذه الوجوه في زمن الثورة”.. وهناك من يقول؛ إنهم جماعات النواب والسياسيين يتدخّلون على الأرض بهذا الشكل عند كل “ألو”؛ ليفرضوا الحل الذي يقضي بتسليم المحروقات لا سيما للنواب لتوزيعه. وهناك من يقول إن هؤلاء هم من صبية الأجهزة الأمنية وهي ترعاهم وتديرهم، وهناك من يقول إنهم جماعة أصحاب المحطات أو جماعة أصحاب المولدات الذين يبيعون عينات المازوت التي تأتيهم في السوق السوداء، أو أو أو..

قد تكون كل هذه الفرضيات صحيحة وقد يكون أغلبها، لكنّ الأكيد أن الفوضى ما كانت لتحصل لو أننا نعيش في كنف دولة تحترم نفسها وترعى مصالح شعبها. ففي كنف الدولة لن تكون هناك مولدات خاصة لأن تأمين الكهرباء 24 / 24 من واجبها، وفي كنفها لا يوجد نائب أو مسؤول في بنية النظام ويتاجر بالمازوت وبحقوق شعبها. في كنف الدولة لا تنفيعات ولا تعدّيات ولا مناطق بسمنة ومناطق بزيت. نحن في لبنان وباختصار نعيش في عصفورية مكتملة شروط “العصفرة” والجنون، ومن أراد أن يتأكد فلينزل ويراقب أوضاع محطة تقوم بتعبئة البنزين في الشمال ويرى، أو ينتظر صهريج مازوت يمر من طريق ما شمالاً ويرى، أو ليشاهد ما شاهدناه بالأمس في عكار من “طوبرة” وجمهرة على محطات الغاز وكأنّ القيامة ستقوم في اليوم التالي ويرى.

مئات الأمثلة من واقع حياتنا اليومية التي نعيش، كلها تشير إلى أننا في غابة ولسنا في دولة. حتى أن سكان الغابات في بعض الأمور يحترمون دور ومكانة بعضهم البعض في امور، ونحن في هذه العصفورية، نريد أن نكون كلنا أسوداً نستفرس على بعضنا البعض وننهش بعضنا بعضاً. لقد استأسد الشعب المنهوب والمنكوب على بعضه البعض؛ وبدل أن يستجمع طاقته ويصبّ جام غضبه على المسؤولين لما وصل إليه من تعتير، قلب بندقيته فيما عدوه الحقيقي، هم المسؤولون، يتفرّجون على ما يحصل ويقهقهون ثم يمعنون بشدّ الخناق عليه أكثر فأكثر. فلقد راقت للمسؤول الفكرة كثيراً: هذا الشعب كلما جاع أكل بعضه ولم يأكل حكامه.

المازوت يكفي لـ3 أيام

وبحسب معلومات «الجمهورية» من مصادر رفيعة في القطاع النفطي فإنّ المخزون المتبقّي من مادة المازوت لدى كل الشركات المستوردة ومنشآت النفط في طرابلس والزهراني لمادة المازوت يكفي استهلاك السوق فقط لمدة ثلاثة ايام. وأسفت المصادر لأنّ الاحتياط الاستراتيجي من مادة المازوت في لبنان اصبح يحتسب لمدة 3 ايام فقط في حين ان هذا الاحتياط يحتسب في اي بلد في العالم بمدة 3 اشهر، واقله لمدة شهر.