عقد نقيب اطباء لبنان في بيروت شرف ابو شرف مؤتمرا صحافيا في “بيت الطبيب”، مع رئيسة جمعية طب الاطفال في بيروت الدكتورة ماريان مجدلاني ورئيس الجمعية اللبنانية لأطباء التورم الخبيث والامراض السرطانية الدكتور نزار بيطار ورئيس اللجنة العلمية في نقابة الاطباء الدكتور برنار جرباقة، تناولوا فيه موضوع نقص الادوية وخصوصا السرطانية، اللقاحات الخاصة بالاطفال، الاستشفاء، هجرة الأطباء، النقص الحاد في بعض الاختصاصات كطب الطوارىء والعناية الفائقة خصوصا عند الأطفال ووباء كورونا.
وقال ابو شرف: “تتراكم الأزمات في لبنان وتتوالى على جميع الصعد الصحية والتربوية. ولا ندري مدى قدرة الشعب على تحمل وزر هذه الأحمال الثقيلة في ظل القهر والذل والجوع والفساد، والسياسيون المسؤولون يعيشون في واد آخر كأن ما يجري في لبنان ليس في لبنان. ومع ذلك ما زال اللبنانيون يقاومون، ونحن منهم، لأننا مؤمنون بهذا البلد. لكننا لم نعد نؤمن بهذا النظام بعد 100 عام على قيامه، ولا بالمسؤولين الذين اوصلوا البلد الى هذا القعر المخزي من الانهيار ففقدوا شرعية وجودهم”.
وأضاف: “ينهار البلد وما من مسؤول ولو معنويا، والقضاء في إجازة، والانهيارات وأهمها الصحية، تتوالى بالجملة: المستشفيات ومنها الجامعية خفضت نسبة العمليات الباردة بسبب عدم توفر المستلزمات الطبية والادوية اللازمة والأمصال وأدوية الامراض المستعصية والسرطانية. وهذه المستشفيات مهددة الآن بتوقف مولداتها بسبب عدم توفر مادة المازوت مما سيضطرها للتوقف عن تقديم الخدمات، ويهدد حياة المرضى، لا سيما مع موجة كورونا التي نشهدها مجددا. حتى مصنع الامصال اللبناني والذي يمد 70% من المستشفيات في لبنان توقف عن العمل بسبب عدم توفر مادة المازوت، ما قد يؤدي الى كارثة صحية بكل معنى الكلمة اذا لم نتدارك الامر سريعا”.
وتابع: “من يتحمل مسؤولية ذلك؟ من المعيب ان يحصل هذا الامر من دون ان يتحرك جميع المسؤولين الى المعالجة الفورية للحفاظ على الأمن الصحي”.
وأردف: “أعداد الاصابات اليومية بوباء كورونا فاقت 1500 حالة. حالات الاستشفاء لأسرة كورونا بلغت 360 حالة، منها 140% في العناية المركزة و30 حالة مع تنفس اصطناعي. وعدد الملقحين 26%، وعدد متلقي الجرعة الثانية 21%، وعدد المسجلين لتلقي اللقاح بلغ 32% وهذا عدد قليل وبعيد كل البعد عن المناعة المجتمعية التي نصبو اليها اي ما يزيد عن 75% ومع متحور دلتا دخلنا في مرحلة تفش مجتمعي لا نحسد عليه”.
وقال: “في غياب لافت لكل مندرجات الوقاية، ونفاد الادوية، ومشاهد الازدحام في المقاهي والمطاعم ودخان الارجيلة، وانخفاض معدلات التلقيح، سنرى ارتفاعا في مستوى الاصابات وكوارث آتية. فلتكمل وزارة الصحة تنظيم ماراثون فايزر ما دام غالبية المواطنين يصرون عليه. كما نطلب منها تأمين اللقاحات والأدوية الضرورية اللازمة للأطفال بالتعاون مع جمعية اطباء الاطفال في نقابة الاطباء حتى لا تعود الامراض التي انقرضت عندنا الى الواجهة مجددا. كذلك بالنسبة لأدوية الأمراض السرطانية والمستعصية والمزمنة وليستوردوها من الشرق او الغرب شرط ان تستوفي بنود الجودة والفعالية والكلفة، وتخضع للفحص المخبري، عبر إعادة تفعيل المختبر المركزي المتوقف عن العمل منذ عشرات السنين، وتطبيق الوصفة الطبية الموحدة تطبيقا صحيحا، تحاشيا لتهريب الادوية او تخزينها ففقدانها. ولتعمل الدولة على مراقبة حسن تطبيق القرارات بعقوبات موجعة وصارمة”.
وأكد أنه “لم يتوان الأطباء في جائحة كورونا عن تقديم القرابين وفقدنا 43 طبيبا شهيدا لإصابتهم بالجائحة أثناء قيامهم بواجبهم الطبي والإنساني. وقد اقر أخيرا مجلس النواب قانون اعتبارهم شهداء الواجب اسوة بشهداء الجيش. وفي 4 آب المشؤوم أصيب العديد من زملائنا وتضررت عيادات قسم كبير من الذين يمارسون عملهم في بيروت. وطفح الكيل فأخذ البعض طريق الهجرة سعيا وراء عيش لائق كريم. وقد اصيب الطاقم الطبي والتمريضي جراء ذلك في الصميم”.
وعن أسباب الهجرة، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية الخانقة، أشار الى أن “هناك حقوقا مزمنة لم يتمكنوا من الحصول عليها وباتت معروفة، فضلا عن تعرفات هزيلة ومستحقات تدفع بعد سنة او سنتين من اتمام العمل الطبي”.
ولفت إلى أن “قانون فصل الأتعاب المباشر للأطباء لا يطبق إلا جزئيا أو عبر اللجان الطبية بحجة عدم وجود مكننة، والمثال الصارخ على ذلك في الضمان الاجتماعي لأسباب واهية. كذلك تحديث جدول الاعمال الطبية الذي عملت عليه اللجان العلمية في النقابة وقدمته لوزارتي الصحة والعمل لا يزال في الادراج، ولا ضمان بعد التقاعد، والعنف الجسدي واللفظي والاعلامي احيانا، وقانون حماية الاطباء لا يزال في اللجان المختصة في مجلس النواب”.
وقال: “من المعيب ان نستجدي حقوقنا وقد صبرنا طويلا وراجعنا المعنيين لإقرار القوانين الملحة واتخاذ الاجراءات الضرورية لتحسين اوضاع الأطباء والممرضات والممرضين وتحفيزهم على البقاء هنا، ولكن لا حياة لمن تنادي. أنعجب بعد كل هذا، من هجرة قسم لا بأس به من الطاقم الطبي والتمريضي؟ كما ان هناك اختصاصات طبية تعاني نقصا حادا نحن بأمس الحاجة إليها كأطباء الطوارىء والعناية الفائقة للكبار والأطفال. لذلك من الضروري جدا تحفيزهم على البقاء وتشجيعهم على هذه الاختصاصات وإنشاء مراكز عناية فائقة للأطفال في المستشفيات ولا سيما في الجامعية منها حفاظا على مستوى الطب في لبنان وعلى صحة المواطن”.
وأضاف: “لبنان قائم على القطاع الصحي والتربوي والمصرفي والسياحي، وأهمها القطاع الصحي، لأنه بالإمكان اعادة بناء كل ما تهدم في التربية والسياحة والمال ولكن خسارة الصحة لا تعوض. القطاع الطبي والتمريضي والاستشفائي على حافة الانهيار وكذلك الأمن الصحي، فلنتعاون جميعا للحفاظ عليه والعمل على تشكيل حكومة بسرعة تتواصل مع المؤسسات الدولية لإنقاذ لبنان قبل فوات الأوان”.
كما قال بيطار: “أود ان أدلي بشهادتي امام الرأي العام المحلي والدولي، ان ما نشهده غير مسبوق وغير معهود ويتنافى مع كل القوانين والشرائع والنظم الاجتماعية والأخلاقية والشرعية وغيرها وأصحاب القرار محليا ودوليا لا يحركون ساكنا، وأناشدهم تحمل مسؤولياتهم قبل فوات الأوان ان مرضى السرطان بجميع أعمارهم وفئاتهم ومن يساعدهم يستنزفون ماديا ومعنويا وصحيا ونشهد عاجزين تدهور وضعهم. الحلول موجودة والجميع يعلمها، واني أحذر اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه سيغرق المركب بنا جميعا”.
وقالت مجدلاني في كلمة باسمها واسم رئيس جمعية طب الاطفال في الشمال الدكتور زياد قصعة: “تداعيات انقطاع الأدوية والمستلزمات الطبية من جهة، وتكاثر الأمراض من جهة اخرى ومنها المرتبطة بالجائحة، تحتم زيادة الطلب لدخول الأطفال إلى المستشفيات، بينما قدرة المستشفيات والقطاع الطبي معرض إلى صعوبة استيعاب الأطفال والاعتناء بهم، خصوصا مع هجرة قسم من الأطباء المتخصصين واستمرار سعي القسم الآخر للهجرة في المرحلة المقبلة، مما ينبىء بعواقب وخيمة على صحة الأطفال في لبنان ويهدد مجتمعنا ككل”.
وأضافت: “لا يكفي فقط انقطاع الدواء، المستلزمات، الكهرباء والأوكسجين، بل الخطر الداهم هو انقطاع اللقاحات لا سيما منها الضرورية، وعدم وجود أفق لحل هذه المشكلة. ومن الواضح أن فقدان هذه اللقاحات مثل الروتا، السحايا، الرئوي، الإلتهاب الكبدي A، الجدري، وغيرها يؤدي إلى بداية ظهور أمراض جرثومية متصلة، وحتما إلى زيادة تفشي هذه الأمراض في المرحلة المقبلة، مع خطر المضاعفات الخطيرة التي تسببها على صحة الأطفال، والى المزيد من إنهاك القطاع الطبي في لبنان، في ظل الطلب المتزايد لأسرة العناية المركزة والفائقة للأطفال”.
وتابعت: “إن أطباء العناية الفائقة للأطفال أصبحوا لا يتعدون أصابع اليد الواحدة في لبنان، وكذلك الطواقم الطبية والتمريضية الخاضعة للتدريب الخاص بوحدات العناية المركزة. ومنهم الكثير من هاجر لتوفر فرص عمل أفضل خارج لبنان، وحيث يلقون التقدير، الحصانة والحماية، ومنها الصحية، الإدارية، المالية، القضائية، القانونية، المهنية والمجتمعية، ونتيجة تفاقم الانهيارات في أزمة العناية المركزة للأطفال، عدم توفر أسرة وطواقم، رفض طفل بحالة حرجة، ومع الأسف الشديد وفاة أطفال لانعدام هذه الخدمات الطبية الضرورية، وخاصة في ظل العنف المتزايد والمظالم المتكررة، في كل أشكالها، المجتمعي، الإعلامي، القضائي وغيرهم، ودون الرعاية اللازمة من الوزارة والحكومة، ورغم تضافر جهود الجمعيات المحلية والدولية لمساعدة هذا القطاع الحيوي”.
وختمت: “أمام هذه الانهيارات والمستوى المزري الذي وصلنا اليه، نطالب بالآتي:
1. أن تتدخل بشكل فوري الإدارات المعنية في الأمم المتحدة عبر المراجع المختصة والقنوات الرسمية، لمد يد المساعدة السريعة إلى أطفال لبنان، من أجل توفير العناية المركزة (وأهمها حماية القطاع واستنهاضه)، كما والرعاية الصحية، (وأهمها اللقاحات والأدوية الاساسية) تبعا للتوجيهات العلمية الصادرة عن نقابة الأطباء وسائر النقابات الصحية. وايضا توفير لقاح الكورونا للاطفال فوق ال ?? سنة.
2. أن تتضافر الجهود لمد الجسور وبشكل شفاف مع لبنان الاغتراب والزملاء في المهجر، لتوفير المساعدة السريعة إلى القطاع الصحي المعني بالأطفال، من التدريب المهني إلى الدعم المباشر للمؤسسات التي تقدم الخدمات الطبية المركزة والطارئة”.
وطرح جرباقة بعض الحلول وأبرزها “تصنيف لبنان اقتصاد نام ليتمكن من الاستفادة من منصة “غافي”، لإدخال اللقاحات الأساسية بعشر السعر كما يفعل العديد من البلدان بالتعاون مع البنك الدولي ومنظمة الصحة العالمية، وأيضا ان تساعد الجمعيات الطبية في الاغتراب العناية المركزة للأطفال في لبنان كي تستنهض قدراتها”.