كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
في خضم أزمة معيشية تفاقمت في لبنان بفقدان معظم المواد الأساسية، وليس آخرها الخبز، تعمَّق الانقسام الطائفي في قضية تفجير مرفأ بيروت، وهو ما يعد أخطر مرحلة يمكن أن يصل إليها الوضع بسبب التحقيق فيها للوصول إلى الحقيقة، وسط استمرار الخلافات، بذرائع قانونية ودستورية.
فالقوى المسيحية تريد رفع الحصانات وذهاب النواب والوزراء السابقين إلى التحقيق، والمسلمة ترفض ذلك التزاماً بنص الدستور على محاكمتهم أمام مجلس مخصص.
وعلى وقع هذا الانقسام، وجه رئيس البرلمان نبيه بري دعوة لعقد جلسة، اليوم، للتصويت على مسألة إسقاط الحصانات، أو تحويل القضية إلى مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء.
والتصويت على إسقاط الحصانات يحتاج إلى ثلثي الأصوات، وهذه النسبة غير متوافرة، وعندما يحصل التصويت ولا يتوافر العدد الكامل، فهذا يعني أن النواب قد حصلوا على البراءة من البرلمان، مما يمنحهم الحصانة لعدم المثول أمام المحقق العدلي القاضي طارق البيطار.
في المقابل، تتحول الجلسة إلى الإصرار على تحويل الملف إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو أمر ترفضه الكتل المسيحية الكبرى، خصوصاً «لبنان القوي» التابع للتيار الوطني الحرّ والرئيس ميشال عون، و«الجمهورية القوية» المحسوب على حزب «القوات».
وأعلنت الكتل المسيحية مسبقاً مقاطعة الجلسة، في محاولة لتعطيل نصاب انعقادها، بينما وقع خلاف بحسب ما تؤكد المصادر بين كتلة «المستقبل» وبري، إذ إن الرئيس سعد الحريري وصل إلى قناعة بضرورة عدم المشاركة في الجلسة. وبحال تراجع فلا يمكن لكتلته التصويت لإسقاط الادعاء؛ لأنه سيواجه أزمة شعبية كبيرة وضغوطاً أكبر في الشارع ستنعكس عليه سلباً في الانتخابات المقبلة.
وتؤكد المعلومات أن هناك انقساماً داخل «المستقبل»، حول القرار الذي يجب اتخاذه. وفي المقابل، أوصل بري رسالة عتب على الحريري بسبب تراجعه عن موقفه، وتوجه إليه بالقول إنه لا يمكن تعطيل الأمر، لأن ذلك سيؤدي إلى هزيمة للدستور. وأصبح بري بين خيارين أحلاهما مرّ، إما تعطيل النصاب وبالتالي منع عقد الجلسة، الأمر الذي سيحرجه سياسياً، وإما الفشل بالتصويت، مما سيعني هزيمة كبرى قد تلقاها.
وعلى وقع هذه الخلافات، أكمل أهالي الضحايا استعداداتهم لتنظيم تحركات تصعيدية كبيرة مع عقد الجلسة، بهدف منع النواب من الوصول إليها لتعطيلها، وتوعدوا باحتجاجات قد تصل إلى منازل النواب، لأنهم يعتبرون أن ما يجري هدفه إسقاط التحقيق وتضييع الحقيقة.
إلى ذلك، تستمر مساعي تشكيل الحكومة في المراوحة مكانها، فعون وضع شروطاً واضحة لقبولها من رئيسها المكلف نجيب ميقاتي، ويصر على ضرورة تقديمه التنازلات المطلوبة.
وكشفت مصادر متابعة أن ميقاتي متمسك بوزارة الداخلية، وعون يبدي الاستعداد لمنحه إياها وتسمية شخصية سنية لتوليها بشرط التوافق عليها، لكنه يصر على 8 وزراء مسيحيين، بالإضافة إلى استمرار الخلاف حول وزيرين مسيحيين آخرين، وبحال حصل عون على أحدهما يكون قد نجح في الحصول على الثلث المعطل، الذي سيستخدم في تعطيل الحكومة أو السيطرة على قراراتها.
وهنا تقول مصادر متابعة إن هناك إمكانية لتحقيق خروقات، إذا قرر ميقاتي التنازل عن شروطه، لكن ذلك سينعكس عليه خسارة داخل الطائفة السنية.
وعلى وقع كل هذه السجالات، تتفاقم الأزمات المعيشية بسبب فقدان معظم المواد الأساسية، فأزمة المحروقات بدأت ترخي ظلالها على كل القطاعات الحيوية، لا سيما الغذائية والأفران والأدوية، وهذه الأزمة ستطول إلى أن تحين لحظة رفع الدعم من جانب مصرف لبنان، والذي تتوقع مصادر متابعة أن عملية رفعه ستحصل في آخر شهر سبتمبر، وهو الشهر الذي ينذر بتفاقم تداعيات الأزمة.