كتب وسام أبو حرفوش وليندا عازار في “الراي” الكويتية:
ليست المرة الأولى منذ 2020 تقف «بلاد الأرز» أمام مشهدٍ «سوريالي» يتسابق معه ركابُ «التايتنيك» على تبديل المَقاعد على السفينةِ الغارقةِ، إلا أن هذا السلوك من الطبقة السياسية في غالبيتها والذي لم ينفكّ يصيب العالم بـ «الذهول» بات «يثير الاشمئزاز» بعدما زُجّ اللبنانيون في «معتقلٍ» يواجهون أزمة إنسانية و«إعداماً بطيئاً» مع تَداعي أمنهم الصحي والغذائي وترْكهم فريسة الانهيار المالي بكل تشظياته.
ولولا البُعْد «فوق العادي» لملف «بيروتشيما» والتحقيق في أقوى انفجار غير نووي في العالم، لَما نجح أي عنوانٍ غير معيشي في فرْض نفسه على الساحة الداخلية التي لم يَعُد حتى تأليف الحكومة الجديدة يحتلّ أولويةً فيها، بمناوراته «المألوفة» التي تديرُ الظهرَ لأخطر منزلَق بلغه شعبٌ تُرك ليواجه ما يشبه عملية «تعذيب وتنكيل» تزداد «جرعاتها» يومياً على وقع اتساع رقعة… «الدمار الشامل».
وفي حين كانت عملية تأليف الحكومة تَستأنف جولاتها أمس (وتُستكمل اليوم) بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي وسط المناخات نفسها من «الشيء وعكسه» رغم إعلان ميقاتي «أننا وصلنا إلى مسودة حكومية والأمور تسير بالمسار الصحيح»، فإنّ تفجير مرفأ بيروت شقّ طريقه للمرة الثانية في أسبوع إلى صدارة الاهتمامات بعدما تم «ترفيعه»، على وقع الاحتضان الشعبي الهائل لهذه القضية في الذكرى الأولى لـ «بيروتشيما» (في 4 الجاري)، إلى مستوى الملف الذي بات له «وهجٌ» كفيل بـ «حرق يديْ» كل مَن يحاول تمييع التحقيق الذي يُجْريه المحقق العدلي طارق بيطار وصولاً إلى الحقيقة والعدالة.
هذا الوهج نفسه هو الذي «أطاح» بالجلسة التي كان رئيس البرلمان نبيه بري دعا إليها اليوم لإطلاق مسار نقْل صلاحية التحقيق إلى «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء» وفق العريضة الاتهامية التي سبق أن وقّعها نواب من كتل بري و«حزب الله» والرئيس سعد الحريري، واعترضتْ عليه كتل أخرى (أبرزها الكتلتان المسيحيتان أي «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» وكتلة الزعيم الدرزي وليد جنبلاط) و«انتفضت» بوجهها عوائل الضحايا الـ 219 والجرحى (أكثر من 6500) باعتبارها محاولة مزدوجة:
أولاً لتهريب المدعى عليهم من بيطار (رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب و4 وزراء سابقون بينهم 3 نواب حاليين) عبر ربْط الملاحقاتِ بآلية دستورية مركّبة ومتدرّجة وبالغة التعقيد وللبرلمان كلمة فصْل فيها (لاتهام المعنيين فإحالتهم على «الأعلى للمحاكمة» وهو غير مكتمل أصلاً).
وثانياً للالتفاف على طلب المحقق العدلي من البرلمان رفْع الحصانات عن النواب الثلاثة لملاحقتهم أمام المجلس العدلي الذي كانت أحيلت عليه القضية بقرار من مجلس الوزراء.
وبعدما كان ذوو الضحايا «توعّدوا» مَن سيشاركون في جلسة اليوم، التي كانت ستُفضي إلى تأليف لجنة تحقيق برلمانية مكونة من ثلاثة نواب أصيلين (وثلاثة رديفين)، بـ «يوم غضب كبير» في محيط قصر «الأونيسكو» (حيث تنعقد الجلسة)، سرعان ما تم «تفجيرها» من داخلها، عبر توالي إعلان مقاطعتها من تكتل «لبنان القوي» برئاسة جبران باسيل «لأنها غير شرعية ولن نقبل بطمس الحقيقة والالتفاف على التحقيق» كما من كتلة «الجمهورية القوية» (القوات اللبنانية) لأنها «غير قانونية وتشكّل عرقلة للتحقيق العدلي وهي وصمة عار على جبين البرلمان إلى أبد الآبدين»، ثم من كتلة «اللقاء الديموقراطي» (برئاسة تيمور وليد جنبلاط) الذي رفض «إعاقة مهمة المحقق العدلي والوصول الى الحقيقة».
ومع إعلان نواب مستقلين تباعاً المقاطعة بما أفقد الجلسة نصاب انعقادِها، وفيما تردَّد أن بري المستاء لن يعلن إرجاءها إلا بعد التئامها وتبيان عدم توافر النصاب وذلك رغم «ميثاقيتها المنقوصة»، انْدفع رئيس البرلمان في هجومٍ على الكتل المعترضة ولا سيما المسيحية من دون تسميتها، معلناً في بيان له: «نسألكم ما قيمة نصوص الدستور، المواد 60 (لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العظمى.
أما التبعة في ما يختص بالجرائم العادية فهي خاضعة للقوانين العامة ولا يمكن اتهامه بسبب هذه الجرائم أو لعلتيْ خرق الدستور والخيانة العظمى إلا من مجلس النواب بموجب قرار يصدره بغالبية ثلثي مجموع أعضائه ويحاكم أمام المجلس الأعلى) و 70 و71 و80 (ذات الصلة بالمجلس الأعلى)».
وأضاف: «ماذا كنتم تفعلون عندما انتَخبتم، إضافة الى ثمانية قضاة برئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى، سبعة نواب أعضاء أصيلين في هذا المجلس الأعلى من بينهم الزملاء السادة: جورج عقيص، جورج عطالله وهاغوب بقرادونيان (من كتلتي التيار والقوات) هذا عدا عن نواب الاحتياط؟ وبالتالي قيام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، إلا اذا كنتم على استعداد لالغاء هذه المواد طالما لستم بحاجة لها كما تفعلون. وانتم لا تدرون ماذا تفعلون».
وفي موازاة ذلك، كان الواقع المعيشي بـ «صواعقه» المتعددة التي باتت تتمحور حول أزمة المازوت، بانعكاساتها «المدمّرة» لقطاعات حيوية تمس بـ «حق الحياة» والغذاء للإنسان اللبناني، وكارثة فقدان الدواء في صلب اجتماع المجلس الأعلى للدفاع برئاسة عون والذي ناقش أيضاً الواقع الأمني في البلاد الذي بات أشبه بـ «قنبلة موقوتة» في ظل تَمَدُّد الاحتجاجات في مناطق واسعة واتخاذها في بعض الأحيان طابعاً خطيراً وسط تحَوُّل المواطنين كتلة «خوف وغضب» قد يتشابكان في أي لحظة فيكون… الانفجار الكبير.
وإذ لم يغِب عن اجتماع «الأعلى للدفاع» عيْب دستوري أضاء عليه الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة بتأكيده أن انعقاده من دون حضور رئيس الحكومة (دياب الذي يحجر نفسه لمخالطته مصاباً بكورونا) «لا يجوز وغير دستوري» معلناً «أن رئيس الجمهورية أطاح بكل ما نصّ عليه الدستور»، فإن مداولات الاجتماع عكستْ الواقعَ المأسوي الذي يواجهه اللبنانيون في ظل عدم القدرة على استمرار استيراد المحروقات بدولارٍ مدعومٍ بات معه مصرف لبنان يموّل واقعياً «اقتصاديْن» (اللبناني والسوري) في ظل التهريب المتمادي.
وفي حين عُلم أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أبلغ المجلس الأعلى أنه لم يعد قادراً على فتح اعتمادات للمحروقات ودعم شرائها ما يعزز المعلومات عن أن تحرير أسعارها بالكامل (أقله البنزين) بات شبه محسوم، فإن «مواجع» اللبنانيين من غياب مادة المازوت «الاستراتيجية» في ظل الانقطاع المتمادي للتيار الكهربائي الذي توفّره «الدولة»، كما من أزمة الدواء، بدت مفتوحة على المزيد من «الفواجع».
فمع إعلان نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون «اننا تبلّغنا نفاد المازوت من مستشفيات قرطباوي وبهمن والحياة، والمرضى ينتظرون ومنهم على أجهزة التنفس» محذراً من «ان مخزون المازوت في المستشفيات الأخرى قد لا يكفي لأكثر من أيام قليلة ونحن أمام كارثة في حال عدم إيجاد حل سريع للأزمة»، وكاشفاً عن «تأمين نحو 22 ألف ليتر من المازوت لشركة الفا للأمصال (كانت أعلنت خروجها من الخدمة الثلاثاء) وهي كمية تكفي لمدّة يومين فقط»، توالى إقفال المطاحن والأفران التي أكد نقيبها علي إبراهيم تخوفه من أزمة طوابير من أجل تأمين الرغيف «وإذا بقيت الأمور على ما هي قد تقفل مختلف الافران أبوابها مع بداية الأسبوع المقبل»، معلناً «لم نتبلّغ أي شيء بخصوص تأمين المازوت».
وفي الإطار نفسه جاء بدء إقفال المطاعم أبوابها في صيدا وسط تحذير رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرامي «من أن الاستمرارية مستحيلة وسلسلة المطاعم العالمية ستلجأ إلى إقفال 50 في المئة من فروعها في محاولة منها لتجنب الإقفال التام»، فيما كانت مجموعة شبان تقتحم مصفاة الزهراني (الجنوب) في محاولة للحصول عنوة على المازوت الذي استمرّت مصادرةُ صهاريج محملة به في أكثر من منطقة لتوفير ليترات كافية لتشغيل مولدات الأحياء التي تنطفئ الواحدة تلو الأخرى لنفاد مخزونها بالكامل بما حوّل ليالي اللبنانيين بدءاً من العاصمة بيروت غابة سوداء.
لكن «الصرخة» الأكثر إيلاماً جاءت على تخوم أزمة الدواء مع تحذير رئيس قسم أمراض الدم والسرطان في الجامعة الأميركية البروفيسور ناجي الصغير من «إعدام مرضى السرطان والقلب والأمراض الجرثومية والأمراض المزمنة، نتيجة انقطاع الأدوية والكباش الحاصل على صعيد دعم استيرادها».
وفنّد حالات موجعة لمرضى تُستبدل أدوية السرطان الضرورية لهم «ما قد يتسبّب بعودة سريعة للسرطان» ولآخرين فُقدت أدويتهم «ما يتسبب بعدم الشفاء أو بتقصير العمر بين سنة أو ثلاثة، في حين أن مصاباً بسرطان الجلد ويحتاج إلى علاج مَناعي نتيجتُه الشفاء، ولكن الدواء غير موجود، وهذا يعني أن المريض حُكم عليه بالإعدام والموت السريع».