كتب رمال جوني في نداء الوطن:
على وقع احتجاجات الشارع، كان سيناريو رفع الدعم يسير نحو التطبيق، تفصله شعرة واحدة، فأصحاب المحطات اقفلوا ابوابهم واحتفظوا بمخزونهم الى تلك اللحظة، أما الافران فأقفلت بدورها، وصعب ايجاد ربطة خبز بعدما توقفت عن العمل، الا قلة منها، فيما اعتمدت الاخرى نظام التقنين بحجة ندرة المازوت، وباع بعض الدكاكين الخبز بسعر الـ12000 ألف ليرة مستغليّن الازمة التي فجرت الشارع من جديد.
عادت الحركات الاعتراضية الى سكّتها، فرفع الدعم انهى حياة الناس، وجعل معاش المياوم يساوي تنكتي بنزين، كل ذلك يحصل والعتمة سيدة الموقف، فيما الطرقات مقطوعة كرسالة واضحة من الناس “ما تجربونا بلقمة عيشنا، خنقتونا، بيكفي”.
فكيف بدا المشهد على الارض، وهل دخلت ازمة الرغيف حيّز التنفيذ قبل ان يدخل رفع الدعم التطبيق؟
بالقطّارة، حضر الخبز الى دكاكين منطقة النبطية وقد استفاق أهلها على أزمة خبز مصحوبة برفع دعم عن المحروقات، هستيريا شعبية سادت نهار الاهالي ممّن خرج بعضهم للاعتراض في الشارع، فقطعوا الطرقات، من تمثال عالم الكهرباء حسن كامل الصباح، مروراً بالنبطية الفوقا، وصولاً حتى قاقعية الجسر، رافضين سياسة الظلم التي تمارس ضدّهم من قبل سلطة الاضطهاد كما وصفوها، معتبرين أن رفع الدعم عن المحروقات مثابة الطلقة الأخيرة في حياة الناس.
إحتل الخبز حيزاً واسعاً من يوميات ابناء منطقة النبطية، فالخبز إما مقطوع وإما متوفر بقلة، بعدما عمدت الأفران الى عدم تسليم الدكاكين الخبز كالمعتاد، فيما عاود بعضهم لتسليمها الخبز ولكن بكميات ضئيلة جداً، فالدكان الذي كان يحتاج 200 ربطة خبز في اليوم تسلم 30 ربطة، ما يعني أن ازمة الرغيف وقعت، وعلى المواطن تحمل إرتداداتها السلبية عليه، إذ ” دقت” السلطة برغيف الفقراء، وحاربتهم به، بعدما منعوا من اللحوم والدجاج والاسماك والخضار، وكان كثر يعتمدون على الخبز ليسدوا جوعهم فإذا بالرغيف إنقطع.
لم يقوَ شباب النبطية كما كل القرى على دخول القرى في نفق مظلم، خرجوا بعيد منتصف الليل للاعتراض على سلطة القهر والعار كما نعتوها، فالعتمة التي تلفّ مدينة عالم الكهرباء دفعت بطارق ورفاقه للشارع “بيكفّي لهون وبس”، صرخ الشبان الذين قطعوا الطريق مطالبين بعلاج ناجع للأزمات، لا ترقيعها. يتحدث محمد بحرقة “والدتي مصابة بالسرطان، كل ثلاثة أسابيع لتحصل على علاجها الذي يفترض أن تأخذه كل اسبوع، أمي تموت قبالة عيني بسبب سلطة فاسدة، تنام على العتمة لان أصحاب الاشتراكات قرروا اطفاء مولداتهم وبيع حصصهم بالسوق السوداء، تعطلت مصلحتي بسبب المازوت، كل شيء حولنا معطل، الا قرارات السلطة والحاكم الجائرة، لن نسكت ولن نفتح الطريق”.
قصص معاناة الناس برزت أكثر على الطرقات، بعض منها مؤلم جداً، تماماً كما حصل مع يوسف الذي أصيب إبنه بتقيؤ حاد فحمله الى المستشفى حيث أخبروه أن لا أدوية لديهم، وفي المنزل لا كهرباء، وفي الصيدلية الادوية مقطوعة، “وطالعونا برفع الدعم، ما يعني أن معاشي لا يكفي ثمن تنكتي بنزين في الشهر، فكيف نتدبر أمورنا”؟
ساد القلق الاهالي، فرفع الدعم جاء مثابة القشة التي قصمت ظهرهم، أكدوا أنهم دخلوا فعلياً في قلب جهنم، وأن الوضع انهار كلياً، الكل يضرب اخماساً بأسداس كيف سيعيش. العمال هم الأكثر تأثراً، بات صعباً عليهم الوصول الى أعمالهم ومعاشهم لا يكفي تنكة ونصف من مادة البنزين، ماذا عن باقي الأمور الحياتية؟ ماذا لو أصيب بـ”كورونا” أحدهم، كيف يؤمّن ادويته، الوضع سيّئ، يقول طارق الذي حمّل الطبقة الحاكمة المسؤولية، فهم من أنجبوا طبقة المحتكرين التي خزّنت المازوت وتنتظر بيعه وفق سعر الـ200 الف ليرة، منبّهاً من مغبة تداعيات رفع الدعم، فالناس بات يصعب عليها شراء ربطة الخبز، ما يعني أن البركان الشعبي قاب قوسين، وما شهدته الطرقات من اقفالات واعتراضات دليل على ان الناس جاعت وصبرها نفذ.