يتراجع لبنان يومياً خطوات إلى الوراء تقرّبه أكثر فأكثر من نمط حياة العصر الحجري ورجال الكهوف، خصوصاً مع انقطاع مادة المازوت الحيوية والأساسية لتأمين الدورة الاقتصادية، في حين أن تسوّلها ليلاً نهاراً يؤثر على إنتاجية المواطنين والقطاعات كافة.
فالدولة التي لا تؤمن الكهرباء تترك البلد حتى من دون مازوت للمولدات أقله، وبدل تأمين الفيول بأي وسيلة يواصل المسؤولون مشاحناتهم حول رفع الدعم من عدمه، بعدما أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اتخاذ القرار بوقفه. ومن حينه يسود التخبط البلد، حتى أن الشركات المستوردة توقفت عن تسليم المادة منذ يومين لحين إصدار جدول تركيب أسعار جديد، علماً أن وزارة الطاقة أعلنت أن الجدول الاخير لا يزال ساري المفعول… في المقابل، كانت معلومات صحافية أشارت الى أن وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر أبلغ الحاضرين في اجتماع السرايا أنه يوجد نحو 60 إلى 70 مليون ليتر بنزين ومثلها من المازوت مخزنة.
وفي الإطار، أكدت مصادر معنية بالملف لـ”المركزية” أن الشركات المستوردة تخزّن المادة، رافضةً تسليمها قبل ارتفاع الأسعار، وتبيعها “بالواسطة” لكن مع أرباح كبيرة. وكشفت المصادر أن هناك سلسلة محطات تابعة لبعض الأحزاب والتيارات السياسية تؤمن المازوت للمدعومين عبر “اتصال سياسي”.
وسط الضياع هذا، لربما تكون “جهنم” التي تحدث عنها رئيس الجمهورية ميشال عون “منورة” أكثر من المناطق اللبنانية على امتداد الخريطة التي تحولت الى مدن أشباح، لا سيما ليل أمس، عقب إعلان رفع الدعم. ويبدو أن مصير البلد الغرق في العتمة الشاملة لا محالة.
من جهته، اعتبر رئيس تجمّع أصحاب المولدات الخاصة عبدو سعادة عبر “المركزية” أن “الجميع يعرف حقيقة التخزين، حتّى المسؤولون من قمة الهرم ومنهم وزير الطاقة ورئيس منشآت الزهراني صرّحوا بوجود ملايين الليترات في خزانات الشركات”، سائلاً “لماذا لا يفرج عنها لإضاءة منازل المواطنين ورفع الذل والبهدلة عنهم؟”.
ولفت إلى أن “الشركات كلّها متوقفة عن التسليم في حين أن خزاناتنا فارغة. ما العمل؟ المطلوب الإيعاز الى الشركات والمصافي بالتسليم حالاً لأن الوضع اليوم أسوأ من أمس وغداً سيكون أسوأ من اليوم إذا بقيت الأمور على حالها. أما الكلام الإعلامي فلا فائدة منه، المطلوب نتائج على الأرض وتأمين المازوت”.
وعن تداعيات رفع الدعم على قطاع المولدات، أشار سعادة إلى أن “اللي فينا كان مكفينا” قبل أن يأتي هذا الزلزال، وهو ضربة قاضية للقطاع والشعب. فإذا وصل طن المازوت إلى 15 مليون ليرة لبنانية فإن من كان يملأ خزاناته بمئة مليون سيصبح بحاجة إلى 500 مليون، بالتالي من أين يؤمن اصحاب المولدات المبالغ هذه؟ وإذا فعلوا كيف يمكن جبايتها من المشتركين؟ أما ثمن الكيلواط فسيصبح حوالي 8000 ل.ل. بالتالي الفواتير ستزداد أربعة أضعاف مع العلم أن كلفة الخمسة أمبير كانت بحدود الـخمسمئة ألف ليرة لبنانية والعشرة بمليون”، مشدداً على أن “هذا الواقع يقضي على استمرارية قطاعنا، فقبل سؤال المواطنين عن قدرتهم على تسديد الفواتير يجب سؤال أصحاب المولدات إن كان في مقدورهم تشغيل محركاتها في الأساس”.
وختم سعادة، مؤكدا على ضرورة “إعادة النظر في قرار المصرف المركزي ودعم مازوت المولدات على الأقل لتأمين الكهرباء بتسعيرة مقبولة”.