كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”:
بالـ”علالي” أسعار المازوت في السوق السوداء، في ظل الشح في الشركات المحتكرة للمادة والتي تتحكم بالسوق وتحمّل هم التغذية في وقت انقطاع التيار الكهربائي عن المنازل في المتن، جبيل وكسروان، الأمر الذي شرّع لأصحاب المولدات الدخول بمرحلة التقنين في هذه المناطق.
يصفّر جان (صاحب موتور) من سعر التنكة الذي شارف على الـ240 الف ليرة وهذا الارتفاع بدأ على حدّ تعبيره تدريجياً منذ شهرين، والطن منه يكفيه لنهار وذلك نسبة لحجم المولّد. لا تعوض هذه المبالغ ولو أراد جان فعل ذلك لسعّر الـ5 أمبير بالمليون ونصف. وهكذا ألغى، خلافاً لغيره فكرة العدّاد، فهو يدخل أصحاب المولدات بخسارة بفعل السوق السوداء، وبرأيه لم يعد هناك مازوت بـ 75 الف ليرة للتنكة نسبة لتسعيرة الدولة سائلاً اين يجد المازوت بالـ 75 الفاً؟ مطالباً الدولة بتأمينه ليسعّر بسعر الدولة.
اتفق جان مع مجموعة من أصحاب المولدات على تسعيرة الـ 800 الف ليرة للخمسة أمبير وذلك بهدف تحديد الخسارة، مؤكداً ان لا معطيات للبلديات لتحدّد هامش الربح والخسارة: “فاين المسح الذي قامت به؟”.
“مندفع بس تجي الكهرباء”!
يمّيز المواطن في المتن جبيل وكسروان بين تسعيرة المقطوعة أي الدفع وفق عدد “الأمبيراج” الذي يحصل عليه، عن كمية الصرف وفق منطق العداد، وتبيّن لـ”نداء الوطن” أن بعض أصحاب المولدات يرفضون تزويده على تسعيرة العداد بل يعتمدون منطق “المقطوعة” جبرياً، فجلال (متن) يدفع كما يقول له صاحب المولّد ولا يجادله خوفاً من ان يخسر الطاقة الكهربائية. ويستغلّ بعض أصحاب المولدات هذا الخوف فيتحكّم بالسوق وِفق شربل (متن) الذي يخبر كيف ان صاحب المولد هو من يقرّر كيف يحاسب الزبون فيصنّف أصحاب المولدات جميعاً بالمافيات الذين لا يشعرون معه، فيدفع المليون ونصف المليون ليرة بتقسيم المصروف بينه وبين زوجته. يصنّف شربل الطبقة الاجتماعية في لبنان الى اثنتين، ذوي الراتب بالليرة اللبنانية ومن يقبضون بالدولار.
الهرب من المجادلة ظاهرة منتشرة، فناديا (رابية) تتذمّر من الانقطاع المتكرّر ولا تعرف ما هي منهجية التسعير. يكتفي شربل حكيم (كسروان) بعلامة “بلدية” على الفاتورة ليقتنع بدفع 480 الف ليرة بدل آمبيرين ونصف، لافتاً الى ان الانقطاع بدأ هذا الأسبوع. حكيم المتقدّم في العمر تساعده شقيقته وكنيسة الضيعة ليضيء ضوءاً واحداً في المنزل.
هذا التقنين المستجدّ على سكان كسروان أدخلهم في “حرّ مستدام” على حدّ تعبير طوني (جونية) الذي يصف توزيع الكهرباء “بغير الثابتة” بسبب الأعطال التي تستعصي على صاحب المولد إصلاحها لارتفاع سعر الصرف، متمادياً في الكلام حول الطبقة السياسية المنشغلة في حصصها ولا تفكّر في سبل حل مسألة المازوت لتعيد النفس الى الناس التي لا تصدق كيف ينتهي دوامها لترتاح. وفي وقت الراحة لا تستطيع ديانا الممرّضة (جبيل) المواءمة بين دوام العمل مع دوام المولّد، والامر نفسه ينطبق على ادي صفير في جبيل الذي يرفّه عن أولاده في وقت التقنين، لكن ماذا يفعل بنفسه عندما يريد الراحة بعد دوام عمل طويل؟
البلديات وادارة أزمة المولدات
التدخّل بالصالح العام من صلاحيات البلديات والمولدات مشمولة بهذا الصالح العام المذكور في القانون البلدي، علماً انه عندما كُتب لم تكن ظاهرة المولدات منتشرة بعد. وبعض رؤساء البلديات تخطّى مسبقاً هذا الوضع، كبلدية بجة وغلبون، الذين يؤمّنون انارة عبر مشاريع قام بها كل من رئيس بلدية الأولى رستم صعيبي والثاني ايلي جبرايل لانارة البلدات 24 على 24 بكلفة اقل من الكلفة التي وضعتها الدولة، وهم قادرون على تأمين مادة المازوت حتى الآن بفعل المتابعة.
تعترف بعض البلديات انها لا تدير الازمة اطلاقاً كشارل حداد (رئيس بلدية غزير) الذي يسأل عندما نستفهم منه عن الوضع: “انا من يجب أن ادير ازمة المولدات”؟ واضعاً هذه المسؤولية على كاهل الوزارات المعنية باعتباره غير قادر على ضبط المولدات، فأصحاب المولدات يديرون انفسهم وبالقانون لا يحقّ للبلدية التدخل، على حدّ تأكيده. هذا الحق بالتدخّل من عدمه ما عاد موضع اهتمام رئيس بلدية سد البوشرية – جديدة أنطوان جبارة، فهو يؤمّن حاجات المواطنين وذلك بالاتصالات والمتابعة، علماً انه ـ على حد تعبيره ـ هو رئيس بلدية وليس شركة نفط ولا كهرباء ويتعذّر عليه تلبية 126 مولداً في المتن وبالرغم من هذا الوضع يغذّون كبلدية 20 طناً للمولدات يومياً.
يشرح رئيس بلدية بياقوت عصام زيتوني الفارق بين المولدات الصغيرة التي تقنّن أكثر من الكبيرة لان كمية المازوت محدودة، ويصنّف رئيس بلدية جعيتا وليد بارود هذه المرحلة بالـ”اصعب” فعلى حدّ تعبيره صاحب المولّد يؤمّن المازوت بأسعار مرتفعة والبلدية بـ”المونة” تحاول ان تطلب منهم عدم التقنين والتخفيض من الفاتورة، علماً انه ـ على حدّ تأكيده ـ منذ بدء مشروع العدّادات أصبحت علاقة أصحاب المولّدات مع وزارة الاقتصاد التي تراقب مباشرةً، ووزارة الطاقة تحدّد الأسعار، فلم يعد هناك دور للبلدية بالفعل. يبرز دور البلديات في العلاقات الشخصية، فرئيس بلدية ذوق مكايل ايلي بعينو يفعّل كل شبكة العلاقات هذه التي تربط أعضاء المجلس مع الشركات الموزّعة، ويأسف لانه بسبب الشحّ سيتم تنظيم عملية التقنين، عكس بلدية جونية التي تراقب عملية التسعير والدفع، فإن لعب احد أصحاب المولدات بالفاتورة صعوداً يلاحق على حدّ تأكيد عضو البلدية سامي برجي.
المواطن وفاتورة السوق السوداء
تختلف الفاتورة بين سهيلة وجونية بأكثر من 200 الف ليرة بسبب غياب مراقبة البلدية. هذا الواقع يفتح السؤال على إمكانية تحميل المواطن كلفة السوق السوداء. وينفي الممثل لاصحاب المولدات في كسروان متن وجبيل جورج نخول “التعويل” شرعياً عليها، فهذه السوق على حدّ تعبيره “لا يمكن لصاحب المولّد تحمّل أسعارها” ولا يمكن ان يُدفّع ثمنها للمواطنين. ويفسر التفاوت بين الفواتير نسبة الى التقنين محمّلاً مسؤولية عدم قبول بعض أصحاب المولّدات تركيب عدّادات الى وزارة الاقتصاد اذ ان كل صاحب مولّد يتحمّل مسؤولية قراراته، واضعاً ما يحصل في سياق “المشكلة العامة في لبنان”، علماً ان بداية التقنين في المناطق المذكورة سببها ان هذه المناطق كانت تتّكل على شركتين تؤمن مادة المازوت أي “كورال والليكويد” المملوكتين من آل يمين، الا ان هاتين الشركتين أصبحتا فقيرتين “مازوتياً” مما أزّم وضع التغذية التي كانت موعودة بانفراج نتيجة شحنة “ضاعت اخبارها”.
يناقض كلام نخول صاحب مولّد في المتن جورج دحدوح الذي “سند نفسه” بالسوق السوداء من دون ان يتّكل عليها ولكن هو غير قادر بعد اليوم على تأمين التغذية، أما صاحب مولّد من الصفرا جان بويري فيتحمّل بعض الخسارة جراء الشراء من السوق السوداء لكنه ينسق مع البلدية مؤكداً ان هذا الشهر هو الأخير له بتزويد الطاقة، فقِطَع الكهرباء تكلف “زيوتاً” متفهّماً موقف البلدية التي هي غير قادرة على تكبّد الخسائر من صندوقها.