كتب معروف الداعوق في “اللواء”:
انتظر اللبنانيون من الامين العام لحزب الله حسن نصرالله، في كلمته لمناسبة ذكرى حرب تموز، ان يبشرهم بقرب ولادة الحكومة العتيدة، لتخفف عنهم وطأة الازمة الضاغطة بكل المجالات وليلتقطوا انفاسهم قليلا، فاذا به يعتبر ان اجهاز حزبه على مشروع الدولة بسلاحه الايراني غير الشرعي منذ حرب تموز عام ٢٠٠٦، يشكل انتصارا، يتطلب استكماله بالسيطرة على ما تبقى من مؤسسات وقطاعات، ماتزال خارج هيمنته وتأثيره، فيما يبدو جليا، ان حل الازمة التي يمر بها لبنان، ليست من أولوياته.
هذه المرة حاول نصرالله، ايهام اللبنانيين، بأن مسرحية اطلاق الصواريخ من الاراضي اللبنانية تجاه مواقع العدو الاسرائيلي العسكرية، هي لحمايتهم تارة، ولاعادة تثبيت قواعد الاشتباك المعمول بها مع إسرائيل سابقا تارة اخرى. ولكنه تجاهل عمدا، ان من بدأ اطلاق الصواريخ متخفيا هو احدى ادوات حزبه، مع تأزم المفاوضات حول الملف النووي الايراني وبالتزامن مع تصاعد لهجة التهديدات الغربية بعمل جماعي ضد ايران، ردا على الهجوم ضد ناقلة النفط في الخليج، ولتوجيه رسالة محددة لإسرائيل والغرب عموما، بانها تحت مرمى نيران الحزب الايرانية. ولكن انكشاف عملية اطلاق الصواريخ بالمرة الثانية علانية امام وسائل الإعلام، بعدما رفض اهالي بلدة شويا الجنوبية الغاضبين، استعمال منطقتهم منصة لتوجيه الرسائل الايرانية ضد اية جهة كانت، ما اضطر الحزب لتبني العملية وتمويه اهدافها الاساسية، التي لاعلاقة لها بامن ومصالح اللبنانيين، لا من قريب ولا من بعيد.
تناسى نصرالله ان معظم اللبنانيين، وحتى بغالبيتهم، متمسكون، بالجيش اللبناني لحمايتهم من اي اعتداء إسرائيلي، او من اي عابث بامنهم بالداخل، ويرفضون اي حماية مزعومة لامنهم، من حزبه وسلاحه وسراياه، بعد ان امعن بتوجيه سلاحه للهيمنة على الواقع السياسي ومصادرة قرار الدولة واستباحة مؤسساتها، ونهب مقدراتها، باساليب ملتوية ومتعددة، بالتهريب المنظم وإنشاء مؤسسات رديفة للدولة. لم تعد تهديدات الامين العام لحزب الله بترهيب خصومه السياسيين الذين يرفضون ممارساته، كما درج على ذلك من قبل، تعطي مفاعيلها السابقة، ولا رشقه لاي جهة، او سياسي او رجل دين معارض، بتهم التخوين والعمالة المزعومة لاي طرف خارجي، تقلل من شأنهم او تخيفهم، بعد إعلانه شخصيا تبعية حزبه العمياء لدولة خارجية خلافا للدستور والقوانين اللبنانية المعمول بها. في مناسبة احياء ذكرى حرب تموز هذه السنة، يحصد اللبنانيون، نتائج تحويل وجهة سلاح الحزب، من سلاح مقاوم لإسرائيل بعد انتهاء مهمته بتحرير الاراضي اللبنانية التي كانت تحتلها القوات الإسرائيلية في الخامس والعشرين من شهر أيار عام الفين، وكما اعلن نصرالله حضوريا باحتفال رسمي اقيم بالمناسبة في بلدة الخيام الجنوبية، وعلى مراى ومسمع العدو الاسرائيلي، الى سلاح مسلط على رؤوس اللبنانيين، هدفه تقويض أسس الدولة ومرتكزاتها وتكريس عزلتها العربية والدولية والحاقها قسرا بالتبعية للنظام الايراني. منذ استدراجه الاعتداء الاسرائيلي في تموز عام ٢٠٠٦ تحت مقولته الشهيرة «ليتني كنت اعلم» وما جره على اللبنانيين من ويلات وخسارة فادحة، بالارواح والممتلكات، ودمار بالبنى التحتية والاقتصادية بلغت مليارات الدولارات، يتجنب اي مسؤول من حزبه الاعتراف بها او حتى الاشارة اليها. .
محطات سوداوية في سجل الحزب بحق اللبنانيين منذ ذلك التاريخ. اجتياح العاصمة بيروت في السابع من أيار عام ٢٠٠٨ بالسلاح المقاوم، احتلال الوسط التجاري، إغلاق المجلس النيابي لتعطيل انشاء المحكمة الدولية الخاصة بكشف وملاحقة مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري التي ادانت بحكم صادر عنها لاحقا، احد كوادر الحزب سليم عياش بارتكابها. استهان حزب الله بكل القوانين، وتجاوز الدستور واغرق سلاحه الذي يدعي بانه لمقاومة إسرائيل، بالمشاركة بحرب نظام الاسد على الشعب السوري المطالب بادنى حقوقه وحريته. دمر المدن والقرى السورية وقتل ابناءها وهجر اهلها، تحت عناوين مزيفة ومختلقة، حسب تطور الظروف ومقتضيات، مد نفوذ، المشروع الايراني المهيمن على المنطقة. عطل تشكيل حكومة الرئيس تمام سلام عام ٢٠١٤لمدة تقارب احدى عشر شهرا، ريثما انجز الاتفاق النووي الايراني يومذاك. ثم عطل انتخابات رئاسة الجمهورية لمدة تقارب السنتين ونصف وافشل كل محاولات انتخاب رئيس جديد للجمهورية مقبول من كل الاطراف، بمن فيهم حليفه سليمان فرنجية، افساحا بالمجال امام وصول الرئيس الحالي ميشال عون لسدة الرئاسة بقوة وهيمنة السلاح كما هو معلوم للقاصي والداني. مارس دورا ترهيبيا ضد انتفاضة المواطنين الناقمين على سوء الاداء السياسي والسلطوي عام ٢٠١٩، مستغلا سلاحه غير الشرعي. انقلب بعدها على موافقته على مبادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لتشكيل حكومة مهمة لانقاذ لبنان بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب. عطل مهمة السفير مصطفى اديب لتشكيل حكومة جديدة، وبعدها انحاز الى جانب الرئيس ميشال عون ووريثه السياسي النائب جبران باسيل، لتعطيل مهمة الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة، والان، لا تبدو مؤشرات تأييد وتسمية الحزب لتكليف الرئيس نجيب ميقاتي ظاهريا تختلف عن سابقاتها، لان ورقة تشكيل الحكومة العتيدة، ماتزال اسيرة في يد المفاوض الايراني بالملف النووي مع الاميركيين والغرب، ولو كان واجهة التعطيل والعرقلة امام الرأي العام، رئيس الجمهورية ووريثه السياسي. الان، لا يبدو نصرالله مهتما بمشاكل الناس وهمومهم ومعاناتهم وازماتهم الصاغطة معيشيا، لان الانهيار الحاصل بالبلاد بقيادة حليفه ميشال عون يحقق اهداف الحزب الاستراتيجية بتفكك الدولة اللبنانية، وتسهيل بسط كامل سيطرته عليها، ولان اهتماماته بمصالح ودور ونفوذ المشروع الايراني، يتقدم على كل مصالح ومشاكل الشعب اللبناني. نقمة اللبنانيين من شتى المكونات على دور الحزب الاقليمي وتسلطه لمنع التغيير السياسي والسلطوي، آخذة في التوسع وكسر هالة الخوف والمحاذير التي فرضها بالترهيب تضاءلت، ولم يعد سلاح الهيمنة وشراء ولاءات السياسيين وأحياء أدوار وهمية للاحزاب الميتة سريريا، والتخويف بالسرايا، يعطي نفس مفاعيل الترهيب السابقة، لكم الاصوات اوحتى قطع الأنفاس. اتت حوادث خلدة، اولا، لتؤشر الى حالة تفكك هالة الخوف من هيمنة وتفلت سلاح الحزب، ثم اتت بعد ذلك ردة فعل اهالي بلدة شويا العفوية ضد اعادة تكرار ممارسات الحزب ودوره الاقليمي جنوبا، لتعطي دليلا اضافيا، على رفض الصمت تجاه خطط وتحركات الحزب ضد توجهات الناس ومصلحة البلد عموما، فيما زادت مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، المنتقدة لممارسات الحزب جنوبا ومصادرته لقرار السلم والحرب، بمعزل عن الدولة، واصراره على حفظ الامن بالجيش اللبناني دون غيره، لتزيد من اتساع حدة الرفض الوطني لدور سلاح الحزب ووظيفته، لاسيما مسيحيا. فمعظم اللبنانيين، وبمكوناتهم المختلفة، يحملون الحزب مسؤولية كبيرة، بالكارثة التي حلت بلبنان واقتصاده، جراء استعمال سلاحه للعبث بالتوازنات السياسية والهيمنة على قرارات ومقدرات الدولة، واستعمال لبنان منصه لاستعداء الدول العربية الشقيقة،وتكريسه لمصالح ايران على حساب المصلحة الوطنية العليا. ماحصل،كان بمثابة جرس إنذار، لابد للحزب، ان يأخذ وقائع الاحداث الاخيرة وتوسع موجة الاعتراضات الشعبية الناجمة عنها، بعين الاعتبار والاهتمام، ويعيد تصويب سياساته وممارساته، ان كان بالتعاطي الداخلي، للعب دور بناء وايجابي في الشراكة الداخلية بعيدا عن اساليب الاستقواء والهيمنة ومصادرة دور الدولة ومؤسساتها، تحت اي شعار كان بعد انتفاء مفاعيل كل الشعارات السابقة والمعادلات المفروضة قسرا، ويبادر فورا الى تأكيد ولائه وتبعيته للبنان دون غيره،والتعاطي بانتظام وايجابية بمختلف المسائل والملفات الداخلية والخارجية، ان كان بما يخص تأليف الحكومة العتيدة، او تسريع خطى الانقاذ على كل المستويات، بالتزامن مع التحضير، لحوار وطني وجاد، حول مستقبل سلاحه، لان تجاهل ماحصل من حوادث، وردود الفعل عليها والمكابرة والاستقواء وكأن شيئا لم يحصل، ستزيد الامور سوءا، وقد تؤدي إلى مزيد من التوترات السياسية والامنية في اكثر من منطقة، ومن شانها ان تودي بلبنان في دوامة من الفوضى وعدم الاستقرار وهذا لن يكون في مصلحة الحزب ولبنان كله.