كتب أنطوان الأسمر في “اللواء”:
يتنقل الرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، بتؤدة وتمهل وتحفظ، بين العوائق والصعوبات والألغام والأفخاخ. هي كثيرة على ميمنته والميسرة، من القريبين قبل الأبعدين، حتى يصح أن لا مبالغة في القول إن تفاوضه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو الأكثر يسرا والأقل تسببا للصداع، في كل ما يخوضه ويتعرّض له ويُنصب.
يتحرك الرجل وعلى كتفيه حمْل نادي رؤساء الحكومات السابقين (باتت كنيته في أوساط بعض أهله نادي الغولف!). وهو الأخير في الانضمام إليه بعد الزعل الكبير إثر واقعة الـ2011.
أ- الرئيس تمام سلام غير معني، لا يَسأل ولا يجد نفسه مضطرا لإعطاء رأي إلا متى التأم العقد في بيت الوسط .
ب – الرئيس فؤاد السنيورة، حارس عمارة النادي وضابط إيقاعه والمنظّر والموجّه، إختار من جنيف حيث يقضي إجازته، أن يقنص على اجتماع المجلس الأعلى للدفاع. هاله لأنه انعقد بلا حضور رئيس الحكومة حسان دياب (الذي اعتذر لظرف الحجر الصحي لكنه وافق على انعقاده). يحرص على التوجيه والتصحيح والتسريب الإعلامي اليومي الذي غالبا ما يأتي مثقلا بالرسائل والغمز واللمز.
ج – الرئيس سعد الحريري لا يبدو متلهفا لنجاح الولادة الحكومية. هو الآخر من مكان إقامته وعمله خارجا، هاله أيضا اجتماع المجلس الأعلى للدفاع للسبب عينه، فقَنص عليه، فيما تياره، بقيادييه وإعلامييه، يتربّص في إنتظار أي نقص أو إنتقاص أو تعثّر يقدم عليه المكلّف، كمثل أي إشارة أو حتى غمز مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل (والإثنان يدركان ذلك، لذا حرصا على نفي كل ما سيق من روايات عن عشاء وعن تفاوض بينهما).
د – وليس بعيدا، يكمن النائب نهاد المشنوق (ويبدو أنه ما عاد راغبا في التبوُّء) في أساسه وكتّابه الذين لا يفوتون فرصة لحضّ الرئيس المكلف على الإعتذار والاستنكاف عن إكمال المسار، (تماما كما الدعوات الى التنحي زمن تكليف الحريري)، ومن ثم على العودة الى بيت الطاعة أو الطائفة تحضيرا لإعلان القرار الكبير: مقاطعة ميشال عون حتى إستقالته أو رحيله!
لكن الرياح الحكومية، من الظاهر حتى الآن، لا تجري وفق ما تشتهي سفن هؤلاء جميعا.
في اللقاءات السبعة في القصر الجمهوري، تخطى التقدّم في التفاوض الـ65% من مجمل العمل المطلوب لإنجاز التأليف. وليس مستبعدا أن يكتمل الإنجاز منتصف الأسبوع الطالع فتبصر الحكومة النور، شرط ألا يُبتلى الرجل والبلد بنكبة ما، على غرار نكبة رفع الدعم أو أشد قسوة منها، وبيانات التحريض المذهبي التي أريد لها، قبل أي غرض آخر، أن تستهدف مجهود التفاوض الحكومي.
وليس خافيا ان الرسائل الى الرئيس المكلّف تشتدّ وطأة ووتيرة ومحتوى كلما تحسس القائمون عليها تحقق تقدّم في التفاوض يؤشر الى دنو الولادة. لذا هو يعتصم بالصمت ولا يوغل في التفاؤل، لا بل أحيانا يحدّ منه، كجزء من استراتيجيته لتخطي العوائق، والأهم إبطال الفتائل وتفادي الفخاخ.
في الذي تحقق من اللقاءات السبعة وتجاوزَ عقم الأشهر التسعة الغابرة، ما يتيح التفاؤل والجدية. فالتشاور بين عون وميقاتي أرسى منهجية علمية في مقاربة مسعى التأليف، أسست للبناء على التراكمات الإيجابية، والأصحّ أنها حمت البناء الوليد من غدرات الزمن ومفاجآت المتضررين.
– الوزارات السيادية الأربع لم يتغيّر توزيعها على المذاهب، فيما إسم المرشح لتولي وزارة المال لم يعد منزلا لا مساس فيه.
– وزير الداخلية السنيّ العتيد سيكون موضع توافق، والأرجح أنه حصل على شخصية توحي بالثقة والخبرة.
– وزارة العدل هي الأخرى تحقق الإتفاق عليه، ويُنتظر إسقاط الإسم عليها حال الدخول في التسميات.
– الوزارات الأساسية والخدماتية (وخصوصا الطاقة والاتصالات والشؤون الإجتماعية والأشغال العامة والنقل والزراعة والإقتصاد) إكتمل، مبدئيا، توزيعها على الأفرقاء المعنيين، لكن بشرط أن يأتي إختيار الأسماء وفق الإختصاص والكفاية بعيدا من منطق التحاصص والقربى الذي طبع أداء غالبية القوى في جمهورية الطائف.
– كذلك إكتمل توزيع الوزارات الأخرى، التي في الأصل لم تكن موضع خلاف جوهري.
– تبقى مسألة إختيار ما بقي من وزارات مخصصصة إلى المسيحيين، وهي لن تشكّل عقدة طالما أن آليات التفاوض إيجابية وقائمة على الرغبة المشتركة في تذليل العثرات، لا صنعها والتفنن في إبتكارها على غرار ما كان يحصل سابقا.