على قاعدة العين بالعين كانت خلفية جريمة الثأر التي وقعت في خلدة في 30 تموز الماضي، حيث قتل علي شبلي على يد شاب من آل غصن من عشائر العرب. ومع سقوط 5 قتلى في اليوم التالي إثر الإشتباكات المسلحة العنيفة بين “عشائر عرب خلدة” وعناصر من حزب الله، 3 منهم مسؤولون في الحزب، بدا أن القلوب المليانة تنذر بما لا تحمد عقباه. وعلى رغم دخول رئيس الحزب الإشتراكي وليد جنبلاط على خط التهدئة إلا أنه أعلنها صراحة قبل أيام في مؤتمر صحافي باتخاذه القرار بالإنسحاب من الموضوع وتركه للتحقيق والجهات الأمنية، مع التشديد على ضرورة تسليم المطلوبين.
اوساط سياسية مواكبة لمجريات الملف أكدت ان الاتصالات تتكثف لالقاء القبض على المطلوبين لسوقهم الى العدالة. وتكشف هذه الاوساط ان حزب الله وضع شروطه لطي الملف نهائيا واجراء المصالحة وهي: تقديم كل المشبوهين للعدالة وإنهاء المظاهر المسلحة ووقف الممارسات الاستفزازية لضمان عودة الذين هربوا الى منازلهم وأعمالهم، والتعهد بعدم التعرض لاي من سكان المنطقة وضمان ممارسة الشعائر الدينية وعدم قطع اوتوستراد خلده والتعرض للمارين مع اقامة نقطة امنية ثابتة وبردع الخارجين على القانون.
لائحة شروط قد تكون أقرب إلى الواقعية والعدالة فيما لو تحملت الدولة مسؤوليتها يوم وقوع الحادث الاول منذ حوالى العام وأوقفت علي شبلي، لكن اعتماد منطق القوة وسياسة الصيف والشتاء تحت سقف واحد فتحت أبواب الجحيم على بقعة جغرافية في وطن لا تغيب شمسه من دون “حدث أمني غير عابر”.
وكيل داخلية الشويفات خلدة في الحزب التقدمي الإشتراكي مروان أبو فرج أوضح لـ “المركزية” الأسباب التي دفعت وليد جنبلاط إلى اتخاذ القرار بالإنسحاب من الملف وتركه للقضاء وقال: “عقب الإشكال الدموي الذي وقع في خلده زار وفد من عشائر العرب دارة جنبلاط ووضع الأخير 3 شروط للتدخل في “الصلحة” وهي: التعهد بعدم إقفال طريق صيدا – الجنوب، والمباشرة بتسليم عشائر العرب المتهمين الذين يعتقد أنهم شاركوا في عملية إطلاق النار خلال تشييع شبلي مما أدى إلى مقتل 5 أشخاص من بينهم 3 مسؤولين في حزب الله، وفتح قنوات شبكات التواصل مع كافة الأفرقاء من دون استثناء لضمان عدم عرقلة الخطة”. وأضاف: “بعد تعهد عشائر العرب الإلتزام بهذه الشروط، وعدهم جنبلاط بالتدخل واتصل بقيادة الجيش وأبلغهم بقائمة أسماء المشتبه بهم وعددهم 19. لكن بعد مرور 10 أيام على التعهد من دون أن تقدم العشائرعلى تسليم مشتبه به واحد قرر الإنسحاب ووضع الملف في عهدة القضاء والقوى الأمنية”.
لا يُخفى على أحد أن الخسائر البشرية التي تكبدها حزب الله بسقوط 3 مسؤولين في الحزب وحوالى 25 جريحاً، وعدم التزام العشائر بالتعهد الذي قطعوه لجنبلاط شكل مادة ضغط كبيرة أدت إلى تسريع اتخاذ هذا القرار. لكن الخطوة التي قامت بها العشائر لجهة تسليم 4 شبان من المشتبه بهم عقب إعلان جنبلاط قراره في مؤتمر صحافي فتحت ثغرة في مستجدات الملف. ويقول أبو فرج: “من الواضح أن الخطوة التي اتخذها العرب بدت وكأنها رسالة إيجابية بعدما لمسوا أن خروج “العقلاء” من الملف سيعيد إشعال فتيل التوتر. لكن فتيل الفتنة باق في حال عدم التزام عشائر العرب بتسليم المطلوبين الـ19 “.
خبر تسليم العشائر 4 مطلوبين نقله أبو فرج إلى حزب الله في اجتماع عقده مع وفد مصغر، لكنْ ثمة سؤال تردد حول الأسباب التي تحول دون مطالبة الحزب بتسليم المشتبه بهم في حادثة خلدة والإستمرار في تطبيق سياسة صيف وشتاء تحت سماء العدالة. واستطرادا ألم يكن من الأجدى تسليم علي شبلي الذي أقدم على قتل إبن الخامسة عشرة من آل غصن منذ سنة؟
أبو فرج أوضح: “ان معرقلين دخلوا الخط آنذاك إضافة إلى عنصر فائض القوة والكل دفع الثمن. المهم اليوم أن يلتزم الطرفان بالتعهد لجهة الركون إلى العدالة وتسليم المتهمين بإطلاق النار. وربما أقدم حزب الله على تسليم مطلوبين من دون الإعلان عن ذلك، ومعروف أن الحزب متكتم ولا يعلن عن خطوات مماثلة والباقي متروك للقضاء وقيادة الجيش المهم أن يدرك الطرفان أن الخروج عن منطق التروي والعدالة يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه”.
ويختم أبو فرج: “كل الإحتمالات تبقى مشرعة طالما أن القلوب مليانة والحذر سيبقى قائما إذا لم يصر إلى حل المشكلة من جذورها أي العودة إلى الشروط التي وضعها وليد جنبلاط واحترام الخصوصية الدينية للعشائر وتاريخهم وتفادي الإستفزازات من قبل أي من الطرفين. والأهم تنظيم الخلاف على المستوى السياسي وتسليم المتورطين للقضاء. ما دون ذلك ستبقى القصة أكبر من رمانة والقلوب أكثر من مليانة”.