Site icon IMLebanon

الحسم الحكومي في لبنان قبل الخميس… والأجواء أفضل

كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:

لم يأتِ تحرّك السفيرة الأميركية لدى لبنان، دوروثي شيا، باتجاه رئيس الجمهورية ميشال عون، والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، من فراغ، وإنما لتقديرها أن مشاورات التأليف ما زالت تراوح مكانها، ولم تحقق أي تقدم، ويمكن إذا استمرت على حالها أن يضطر ميقاتي إلى الاعتذار عن تأليفها، وهذا ما لمح إليه للذين تواصلوا معه، وتحديداً رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورؤساء الحكومات السابقين وآخرين. ومع أن بري أبدى تفهماً لموقفه، فإنه دعاه للقيام بمحاولة أخيرة لعله يتمكن من إخراج عملية التأليف من التأزم، وهذا ما يراهن عليه مصدر نيابي بقوله إن الأجواء الآن أفضل من السابق، ولكن تبقى الأمور بخواتيمها، بإعلان التشكيلة الوزارية.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر سياسية بأن ميقاتي يتبع سياسة النفس الطويل في مشاورات التأليف التي يعقدها مع عون، ويحرص في معظم اللقاءات على ضخ جرعات من التفاؤل والإيجابية، تقديراً منه لأن الظروف الصعبة غير المسبوقة التي يمر فيها البلد لم تعد تحتمل ترحيل تشكيل الحكومة.

وأكدت المصادر السياسية أن تدخل دوروثي لدى عون بدأ يعطي مفاعيله الإيجابية، من خلال استعداده لتنعيم موقفه، وقالت إن ميقاتي وهو يخوض مشاورات تأليف الحكومة مع عون يحرص على سحب كل الذرائع التي يتذرع بها الأخير لتأخير تشكيلها، ويبدي مرونة وإيجابية لئلا يسجل عليه أنه من يؤخرها، وقالت إنه يتجنب الصدام معه لأن ما يتطلع إليه يكمن في أن البلد بغياب حكومة إصلاحية فاعلة يتدحرج يوماً بعد يوم وبسرعة ليس نحو الانهيار فحسب، وإنما على طريق التفلت الأمني والفوضى، وصولاً إلى الانفجار الشامل.

وكشفت أن ميقاتي ليس في وارد تمديد أزمة التشكيل لأنها ستقود حتماً إلى انهيار البلد وتهديد كيانه، وقالت إن اجتماعه عصر أمس بعون يُفترض أن يشكل نقطة تحول إيجابية على طريق إنقاذ البلد، وإلا فلكل حادث حديث، مشيرة إلى أنه لا يتبع سياسة التهويل على عون أو تهبيط الحيطان، إنما لقناعته بوجود ضرورة اليوم قبل الغد لولادة حكومة تستعيد ثقة اللبنانيين، وتكون قادرة على التوجه نحو المجتمع الدولي طلباً للمساعدة.

وأملت المصادر نفسها بأن يكون عون قد التقط الإشارات الدولية والإقليمية التي تلح عليه بتسهيل تشكيل الحكومة، وإلا فإن البلد ذاهب حتماً إلى كارثة اقتصادية ومعيشية يدرك من أين تبدأ، لكنه يصعب عليه التكهن إلى أين ستنتهي، خصوصاً أن الوضع بغياب حكومة إصلاحية قادرة ذاهب إلى مزيد من التأزم الذي لن توقفه التدابير الأمنية. ودعت عون إلى عدم التفريط بالفرصة المتاحة حالياً لوضع البلد على سكة الانفراج بعيداً عن المكابرة والعناد، وبالتالي النصائح التي يقدمها الفريق السياسي المحسوب عليه، ويتولى الإشراف عليه سياسياً، ويديره رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.

ورأت أن قاعدته السياسية مأزومة، كحال الآخرين، وهذا ما يدعوه إلى التنبه من إقحام البلد في مغامرة سياسية بتعطيل تشكيل الحكومة، ما لم توفر له التركيبة الوزارية الضمانات التي تؤمن له استمرار إرثه السياسي بشخص باسيل. وقالت إن على عون أن يختار بين إنقاذ ما تبقى من عهده وتعويم صهره، على الرغم من أنه يدرك سلفاً أنه لا مجال لانتزاع «الثلث الضامن» في الحكومة، ووضعه بتصرف وريثه السياسي.

وعدت المصادر نفسها أن تشكيل الحكومة يقترب من الحسم، وتحديداً في اليومين المقبلين قبل يوم الخميس المقبل، وهو الموعد الذي حدده ميقاتي، بحسب الذين تواصلوا معه، ليكون له كلام آخر، وقال إنه سيبني موقفه في ضوء النتائج التي يتوقعها بدءاً من أمس، مع تصاعد موجة الضغوط باتجاه عون التي برزت جلياً في زيارة السفيرة الأميركية لبعبدا واجتماعها به. فالسفيرة الأميركية كانت قد التقت ميقاتي قبل أن تلتقي عون، لكن تحذيرها من الانزلاق جاء في تصريح لها من بعبدا، كأنها تغمز من قناته بتحميله مسؤولية عدم تسهيل تشكيل الحكومة، وإلا لماذا ارتأت عدم الإدلاء بموقف بعد مقابلتها ميقاتي؟ كما أن تحذيرها من انزلاق لبنان أكثر فأكثر نحو الكارثة يأتي في أعقاب جولة اللقاءات التي عقدها رئيس وكالة الاستخبارات الأميركية المركزية، ويليام بيرنز، مع القيادات العسكرية والأمنية التي تمحورت حول ضرورة إيلاء الأولوية للحل السياسي بتشكيل حكومة جديدة، وإلا فإن هناك صعوبة في الإمساك بالبلد والإبقاء عليه ممسوكاً، على الرغم من أن القوى الأمنية التي تمر بضائقة معيشية، أسوة بالسواد الأعظم من اللبنانيين، تمكنت حتى الساعة من الحفاظ على الاستقرار تحت سقف «التعايش» مع المنتفضين على المنظومة الحاكمة والطبقة السياسية.

لذلك، فإن ميقاتي بدأ يستعد لمغادرة رقعة التفاؤل الحذر التي يعكسها بعد لقاءاته بعون، وهو يتجه لاتخاذ موقف يعتذر فيه عن تشكيل الحكومة، ما لم تنجح اتصالات اللحظة الأخيرة في إزالة العقبات التي تعترض ولادتها، وهي حتماً برسم عون، وإلا من استهدفت السفيرة الأميركية في رسالتها التي سطرتها من بعبدا، وأرادت منها الضغط لقطع الطريق على انزلاق البلد نحو الانهيار الكارثي، خصوصاً أنها لم تكن بعيدة عن الأجواء التي تعطل تشكيل الحكومة، واطلعت عليها وجاهياً من ميقاتي؟

فهل يتمكن الضغط الدولي على عون من أن يؤدي مهمته في إقناعه بعدم التفريط بالخرطوشة الأخيرة لتشكيل الحكومة، لئلا يأخذ البلد إلى المجهول بعد أن إحاطته السفيرة الأميركية علماً بأن «الإفراج» عن الحكومة يقع على عاتقه، ولم يعد من مجال للمناورة، خصوصاً أن السفيرة شيا حملت إليه رسالة ليست أميركية فحسب، وإنما أوروبية، بالنيابة عن المجتمع الدولي؟

وعليه، لم يعد في وسع عون الهروب إلى الأمام، كما تقول المصادر، للتفلت من الاستحقاق الدولي والإقليمي الذي يحمله مسؤولية تعطيل تشكيل الحكومة، ويبدي تفهماً لموقف ميقاتي الذي يراهن على الضمانات الدولية لإخراج لبنان من أزمته، فهل يبادر عون إلى ترجمة «تفاؤله» بمواقف ملموسة تقود إلى تشكيلها، خصوصاً أن مصدراً نيابياً أخذ يتحدث عن نفحة من التفاؤل يُفترض أن تأخذ طريقها بين ساعة وأخرى باتجاه إزالة العقبات التي تعترضها، وهي ليست مستعصية، ويؤكد أن الساعات المقبلة يُفترض أن تحمل أخباراً طيبة، هذا في حال صمد عون على تفاؤله الذي وحده يسحب تلويح ميقاتي بالاعتذار من التداول؟