كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
أقر مجلس النواب اللبناني قانون البطاقة التمويلية في 30 يونيو الماضي، وقد نص القانون على دفع 96 دولارا كحد أدنى لكل عائلة، وتزيد قيمة المبلغ حسب عدد أفرادها ليصل إلى 136 دولارا وسطيا، على أن تصل المساعدات لما يقارب 750 ألف عائلة، أي أنها ستطول ما لا يقل عن 80% من اللبنانيين. وقد فتح مجلس النواب اعتمادا إضافيا استثنائيا يسمح للحكومة دفع قيمة البطاقة، علما أن جزءا كبيرا من الأموال متوافرة من قروض وهبات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وبالعملات الصعبة. والمبلغ الإجمالي لتكاليف البطاقة بحدود المليار دولار سنويا، بينما قيمة تحويلات مصرف لبنان على دعم السلع الأساسية يتجاوز 7 مليارات دولار في السنة، وهذا المبلغ يستفيد منه التجار والمهربون، بينما المواطن اللبناني يقبع تحت سندان العتمة ويعاني من الإذلال أمام الصيدليات والمستشفيات ومحطات الوقود والأفران.
المجلس الاقتصادي والاجتماعي كما الحزب التقدمي الاشتراكي كانوا قد تقدموا باقتراح قانون لترشيد الدعم منذ أكثر من عام، لأن الخطر على المالية العامة محدق، واحتياط مصرف لبنان من العملات الصعبة يتبخر من دون أي فائدة للمواطنين، وربما تكون خطة تبديد الأموال عن قصد بهدف استنزاف ما تبقى من موجودات في المصرف، وبالتالي إفلاسه، كما قال حاكمه رياض سلامة في مقابلته الأخيرة.
وهناك قطبة مخفية تقف وراء طلب استمرار الدعم للسلع الأساسية، كما وراء إبطاء صدور البطاقة التمويلية، وقد أبرزت التصريحات التي صدرت عن رموز الحكم وقوى محور الممانعة بعض جوانب القطبة المخفية، من خلال مطالبتهم بعدم وقف الدعم حتى ولو دفعت البطاقة التمويلية للمستفيدين، والواضح بالنسبة لهم أن الدعم يسهم بصمود سورية أمام العقوبات التي تتعرض لها ويزود أسواقها بالمواد النفطية عن طريق التهريب الذي يجلب المنافع للمهربين وللتجار أيضا، ولكنه يسبب الويلات للبنان وأهله، كما يؤدي إلى أخطار أمنية قاتلة وآخرها انفجار عكار المروع، وقد ذكرت معلومات من عدة مصادر أن أمين عام حزب الله التزم بعدم توقيف إمداد الحكومة السورية بكل ما تحتاجه من المواد النفطية منذ ما يزيد على 5 سنوات، وهذا الوعد مازال قائما، بصرف النظر عن كلفته الباهظة على الاقتصاد اللبناني.
الحملة التي تستهدف مصرف لبنان جراء قرار مجلسه المركزي بعدم فتح اعتمادات مالية من الاحتياط الإلزامي للمودعين لصالح الدعم، تؤكد أن القوى التي تقوم بالحملة لديها التزامات خارجية، وهي لا تبالي بأي نتيجة كارثية إضافية تحصل للبنانيين أمام قوة تعهداتها الخارجية، علما أن هذه القوى هي التي جددت لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لمدة 6 سنوات عام 2017، بعد أن كان قد مضى على تعيينه في المنصب 25 عاما، ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون هو الذي طرح بند التجديد له على جلسة مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال. ومن المعروف أن حاكم مصرف لبنان لديه استقلالية إدارية، وهو الوحيد من بين كبار موظفي الدولة الذي لا يستطيع مجلس الوزراء إقالته كما ينص على ذلك قانون النقد والتسليف.
عدم ترشيد الدعم وتأخير دفع البطاقة التمويلية لهما أهداف سياسية واضحة، وهي تأمين استمرارية التهريب، والقوى الخارجية المستفيدة من التهريب هي الضمانة لفريق الرئيس بتجاوز نتائج الانتخابات النيابية التي لن تكون في صالحهم، وبالتالي فإن هذه القوى هي التي تدعم موقف رئيس الجمهورية في تأخير تشكيل الحكومة إلا إذا كانت التشكيلة تخدم فريقه السياسي، وهذه الإشارة التي ألمح إليها مستشار الرئيس بيار رفول بعد زيارته لسورية، فيها رسالة موجهة للذين يطمحون لإحداث تغيير من خلال الانتخابات، والرسالة مفادها: لا حكومة من دون موافقة الرئيس مهما كان رأي الأغلبية النيابية، وربما لا انتخابات رئاسية من دون رضا هذه القوى، والذي لا يعجبه هذا الموقف «يشرب من البلوك رقم 4»، في إشارة إلى البحر المشاطئ لقضاء البترون الذي ينتمي إليه صهر الرئيس النائب جبران باسيل.