Site icon IMLebanon

من أجل “غالون” بنزين

كتب عماد موسى في “نداء الوطن”:

شَبَبْتُ على صور شهداء “المنطقة الشرقية” أو “المناطق المحررة” تلصقُ على الجدران، وعلى زجاج السيارات وعلى مداخل البنايات والثكنات وأعمدة الإنارة.

بعد أعوام، ومع انفتاح البلد على بعضه، تعرّفت على آثار صور شهداء “الغربية” و”المقاومة الوطنية” التي صمدت زمناً تحت الجسور وعلى الحيطان العتيقة وفي الأحياء الشعبية.

قطعتُ من العمر أكثر من النصف المقَدّر أن أعيشه، فأُضيف إلى ذاكرتي البصرية المزيد من صور الشهداء المدنيين والعسكريين والسياسيين.

جميعهم “ماتوا ليحيا لبنان” أو” دفاعاً عن عروبة لبنان” أو في “معركة تحرير لبنان”… هكذا خُيّل إليهم قبل عشر الثانية من استشهادهم على جبهة ما، في زاروب ما، في انفجار ما أو في إشكال ما.

نوايا الشهداء طيبة، ولو خاضوا حروباً عبثية أو استشهدوا من طريق الصدفة. وضعوا دمهم على كفهم قبل أن يسيل ويروي حجارة وتراباً وأرضاً باردة.

وفي السنة السادسة والأربعين على بداية حروب لبنان، وفي السنة الواحدة والثلاثين على نهاية حروب الداخل، وفي السنة الواحدة والعشرين على الإنسحاب الإسرائيلي من الجنوب والبقاع الغربي، ما زال لبنان يقدّم الشهداء من أجل لبنان وسيادته وحريته ومن أجل سوريا ـ الأسد والشعب الحوثي الشقيق، ومن أجل فلسطين وحتى من أجل لا شيء.

فجر الأحد، استشهد 28 لبنانياً بين عسكريين ومدنيين. من أجل أي لبنان ماتوا؟ ليحيا من؟ لتحرير ماذا؟ هل من يجرؤ على القول: ماتوا من أجل غالون بنزين؟ ماتوا احتراقاً وحرقوا قلوب أهلهم، وأهلهم كل الفقراء، كل الغاضبين، كل الناقمين، كل المقتولين وهم أحياء.

في هذا العهد، أعلن العهد وصهر العهد وأحد وزراء خارجية العهد وكل وزراء الطاقة في هذا العهد تحوّل لبنان إلى بلد نفطي.

وقبيل انقضاء السنة الخامسة من العهد، تحول اللبنانيون الشرفاء إلى متسوّلي بنزين ومازوت أذلاء، وتحوّل الأنذال إلى مهربين ومحتكرين. وتحوّل الماسكون بالقرار التنفيذي إلى عاجزين عن اتخاذ أي قرار، وإلى شلّة أبوام، وإلى مجموعة مكابرين، وإلى ضباع بصوف حملان، وإلى شتّامين يُشتمون.

يموت اللبناني في عكار من أجل غالون بنزين، ويميت مسؤولوه، أصحاب الضمير الحي، كل أمل بالحياة ويتناحرون، وينحرون البلد، من أجل حقيبة وزارية من هنا وحقيبة من هناك.

يموت اللبناني في البقاع على محطة وقود، من أجل نصف تنكة بنزين.

يموت اللبناني في الجنوب، وهو جالس إلى مقود سيارته، ينتظر دوره الموصل إلى خرطوم المحطة، فيرتقي من حيث لا يدري ولا يريد إلى شهداء البنزين.

هذا ما يحصل في بلد الأرز والتبغ والتنباك، وفي كوكب آخر أو مكان آخر، يدير القائد الثمانيني، بعزيمة الشباب وديناميكية الشباب، آخر معارك تحرير البلد من الفساد والمفسدين… وبعد التحرير “إلغاء”. إلغاء لبنان. عاش ليموت لبنان.