فضحت الأيام القليلة الماضية، حجمَ تقصير الدولة وأجهزتها الرقابية من جهة، وأظهرت قدرة الجيش اللبناني على التصرف على الارض متى أُعطي الغطاء السياسي ليتحرك ويحسم، من جهة ثانية.
فاثر انفجار مستودع التليل، تكشفت كمية المحروقات المخزنة والمعدة للتهريب او التي يريد التجار والافراد تحقيقَ ارباح غير مشروعة من خلالها، بفعل انخراط الجيش في شكل غير مسبوق، في حملة واسعة لمداهمة ومصادرة المواد المخزنة.
هذه العملية بدأت اثر قرار رفع الدعم عن المحروقات وانفجار أزمة شح قوي في البنزين والمازوت، يوم الجمعة الماضي، حيث اعلن الجيش السبت انه سينزل الى الارض للكشف على خزانات المحطات ليجبر اصحابها على بيعها ومنع احتكارها، طالبا من المواطنين الابلاغ عن اي نقطة تخزين يعرفون بوجودها، ليتوجه عناصره اليها فورا. هذه الخطوة أتت عقب اجتماع للاجهزة الامنية عُقد الجمعة في مكتب قائد الجيش العماد جوزيف عون، غداة اجتماع للاعلى للدفاع في بحر الاسبوع المنصرم، خُصص لمناقشة الاوضاع المعيشية الضاغطة.
اجتماع اليرزة خلص الى قرار بالتحرك في الميدان للمساعدة في التخفيف من حدة ازمة المحروقات. ومنذ ذلك التاريخ، دهمت القوى الامنية عموما والعسكرية خصوصا، عشرات المحطات والمستودعات، مصادِرة منها كميات مازوت وبنزين، بالاطنان. فساعة بعد ساعة، تعلن قيادة الجيش ضبطها محروقات، في البقاع والشمال والجنوب والمتن، بعشرات آلاف الليترات، وتعمد الى توزيعها على المواطنين والمستشفيات والافران والصيادين والمزارعين…
هذا المشهد، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، عرّى عجز الدولة والحكومة ووزارتي الاقتصاد والمال وكل الجهات الرسمية المعنية بالملف، عرّى عجزها كي لا نقول تآمرَها مع المحتكرين وتغطيتها المخزّنين لانها تستفيد من ارباحهم، او لأن هؤلاء سيهرّبون المادة الحيوية الى سوريا، ليستفيد منها ليس فقط التجار الذين باعوا ضميرهم، بل ايضا النظام الحليف في محور الممانعة. فمعظم المحتكرين مدعومون من احزاب وقوى السلطة، حتى أمكن القول ان كل رواية الحصار الاميركي للبنان ساقطة، وأن هذه الاحزاب هي سبب معاناة اللبنانيين وانهيار اقتصادهم! وفق المصادر، الكميات المصادرة كافية لتغطية حاجة لبنان الى المازوت والبنزين لايام. اليست هذه اذا جريمة تقترف في حق البلاد واقتصادها وشعبها؟
وتضيف “خوفا من غضب الناس، اطلقت السلطة السياسية يد القوى الامنية على الارض، لتضرب بقبضة من حديد المحتكرين. الا ان هذه الحملة على اهميتها، لها فقط مفعول حبة “بانادول” صغيرة في جسد لبنان الكبير المتهالك. فالكميات المصادرة هذه، تُعتبر نقطة في نهر التهريب الجارف للمحروقات من لبنان الى سوريا”.
من هنا، تسأل المصادر، هل ستتوسع رقعة الضوء الاخضر المعطى للاجهزة لمحاربة آفة التخزين، لتشمل اقفال مزراب الحدود السائبة، بما يعوّم السوق اللبنانية بالمواد الحيوية التي استنفزت الخزينة والدعم الذي امنه مصرفُ لبنان للمحروقات، من لحم اللبنانيين الحيّ؟ ام ان مصلحة المحتكرين ورعاتهم من قوى السلطة، ومصلحة النظام السوري، ومصلحة حزب الله بابقاء الحدود سائبة لينقل السلاح والمال والعناصر عبرها، ستظل اقوى من مصلحة اللبنانيين ؟!