على وهج «الكارثة الإنسانية» التي انزلق إليها لبنان والتي باتت تُصيب مختلف شرايين الحياة وتستولد فوضى تحوّل معها المواطنون رهائن أزماتٍ «تحرق لحمهم الحي» كما حصل في مجزرة التليل العكارية، دَخلت بيروت أسبوعاً «اختبارياً» بامتياز لمجموعة عوامل ومعطيات ارتسمت في الساعات الماضية ولن تتأخر خلفياتها وارتداداتها بالانكشاف وتحديداً على جبهة ملف تأليف الحكومة.
وفيما كانت عكار تفرك عينيْها على لوحةٍ سوداء مع تشييع غالبية ضحايا انفجار خزان المحروقات الذين ارتفع عددهم إلى 29 مع العثور على جثة أحد المفقودين متفحّمة في موقع المأساة، وسط استمرار حال الغضب وقطْع طرق في مناطق عدة، ساد تَرَقُّبٌ كبير لِما إذا كانتْ هذه الفاجعة، في ذاتها كما لجهة ما عبّرتْ عنه من تَداعي كل «جدران الأمان» في الواقع اللبناني وما رافقها من تجدُّد «المصارعة السياسية» بين أطراف وازنة، ستشكل قوة الدفع للإفراج عن الحكومة وتَلافي انفلات الانهيار من أيّ ضوابط تجعل كبْحه ممكناً بعد التأليف.
وفي هذا الإطار اتجهت الأنظار إلى اللقاء الذي جَمَع أمس رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي لمواصلة تركيب «بازل» التشكيلة الحكومية، في ظلّ رصْد كبير لتداعيات تطورين بارزين أعقبا فاجعة التليل على مسار التأليف وهما:
• «الانفجار» الأعنف بين عون وفريقه وبين الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري والذي تجاوزت «حربه الكلامية» كل السقوف السابقة وصولاً لدعوة الأخير رئيس الجمهورية للاستقالة، وهو السجال الذي تَرَك علامات استفهام حول تشظياته المحتملة على عملية تشكيل الحكومة ولا سيما أن ميقاتي سُمّي للتكليف برافعةٍ سنية شكّلها رؤساء الحكومة السابقون وفي مقدّمهم الحريري، وإن كان الرئيس المكلّف حرص عبر إعلامه على النأي بالنفس عن معركة فريق عون – زعيم «المستقبل» مع إشارات حمّالة أوجه لانزعاجٍ من هذا التراشق كما من التحرك الاحتجاجي الذي لم يوفّر المبنى الذي يقطنه في بيروت مساء الأحد وشارك فيه عدد من أهالي ضحايا شهداء مرفأ بيروت.
وفي حين كانت بعض الدوائر تعتبر أن هذا التقاصُف «اللاهب» على خط بعبدا – بيت الوسط لا بد أن يترك ارتداداتٍ سلبية على مهمة ميقاتي، إلا أن أوساطاً أخرى رأت أن هذا الاشتباك ليس في سياق «معركة الحكومة»، بمقدار ما أنه بمثابة إعطاء «رصاصة انطلاق» السباق الى الانتخابات النيابية (مايو 2022) التي كان الحريري توعّد رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بأنه سيردّ له الصاع فيها على خلفية ما واكب تكليف زعيم «المستقبل» على مدى 9 أشهر حتى اعتذاره قبل شهر.
• أما التطور الثاني فالكلام البارز للأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي عمد للمرة الأولى إلى تحديد مهلة «أيام قليلة» لتشكيل الحكومة منطلقاً من أن حادثة التليل يجب أن تشكل عاملاً حاسماً لتشكيل الحكومة «فالبلد لم يعد يحتمل والكلام موجه للجميع، لكل الرؤساء والقوى السياسية والمعنيين بالتشكيل، فلعبة الوقت انتهت، شكِّلوا حكومة بأيّ ثمن واخرجوا من الشروط والشروط المضادة، وكل واحد يتفضّل يضحّي».
ورأت أوساط واسعة الاطلاع أن كلام نصرالله ينطوي ضمنياً على رسالة شديدة اللهجة للأطراف المعنية بتشكيل الحكومة، خصوصاً لعون وباسيل تحضهما على ضرورة تقديم تنازلات لابد منها للإفراج عن الحكومة العتيدة.
وقالت الأوساط لـ «الراي» إن نصرالله أراد بعث إشارة قوية لرئيس الجمهورية وصهره بأنه «حان وقت الانحناء» بعدما صار الجميع يرمي باللائمة عليهما في عرقلة تشكيل حكومة لم يعد جائزاً المماطلة في إزالة العراقيل من أمام ولادتها.
وأشارت الأوساط عينها إلى أن الأمين العام، الذي غالباً ما يُتَّهَم باحتجاز عملية تشكيل الحكومة ربطاً بأوراق تستخدمها إيران في مفاوضاتها حول النووي مع الولايات المتحدة، ردّ على طريقته عبر الإيحاء بأنه «طفح الكيل» من المراوغة في تشكيل الحكومة، ومتوجهاً هذه المرة، وعلى نحو غير مباشر لحلفائه، أي لعون وباسيل.
ولم تكن الأوساط الواسعة الاطلاع حاسمة في توقعاتها حيال إمكان استجابة ثنائي عون – باسيل لرسالة نصرالله، خصوصاً أن الحكومة «المحتملة» هي آخر حكومات عهد عون والمرشحة لأن تكون «حكومة رئاسية» في حال تطيير الانتخابات النيابية كما الرئاسية، رغم التسريبات التي تحدّثت عن أن ولادة الحكومة ستكون خلال ساعات أو على أبعد تقدير بحلول نهاية الأسبوع.
وقد أعرب عون أمس عن أمله «في أن نتوصل الى الحد من الأزمة الراهنة من خلال تشكيل حكومة جديدة في خلال الأيام القليلة المقبلة، رغم سعي البعض لعرقلة هذا التشكيل»، مؤكداً «أن رئيس الجمهورية رغم ما خسره من صلاحيات إلا أنه شريك في التأليف مع رئيس الحكومة المكلّف، وله أن يختار من بين الأسماء المطروحة في ظل ما يتمتع به من سلطة معنوية». وشدّد على أن «نضالنا مستمر من أجل إعادة بناء هذا البلد ولن أستقيل وسأقوم بواجباتي حتى النهاية ولن يهزني أحد لا في موقعي ولا حرصي على مواصلة محاربة الفساد».
على أن كلام ميقاتي بعد لقاء عون عكس «أجواء رمادية» في الملف الحكومي، إذ أعلن «نحاول أن نحل الموضوع الحكومي بطريقة ملائمة للجميع وتكون حكومة لمواجهة الواقع في لبنان ونعرف الصعوبات ويجب أن نكون يداً واحدة»، موضحاً «أن الحديث كان بالعمق وستكون لنا لقاءات أخرى هذا الأسبوع ونحكم على الأعمال بخواتيمها».
وأكد «دخلنا في موضوع الأسماء في تشكيل الحكومة وتبقى العِبرة في الخواتيم»، موضحاً «نحل كل موضوع بموضوعه، ولا أعرف آخر موضوع كيف يُحل»، مشدداً على أن «نسبة تشكيل الحكومة أكبر من نسبة الاعتذار، ولكن لا شيء يثبت ذلك، ولا وقت محدداً لديّ ولكن المدة ليست مفتوحة».
وتَرافقتْ هذه الأجواء مع تكثيف باريس وواشنطن الضغوط الديبلوماسية للحضّ على الإفراج عن الحكومة، التي كان ميقاتي لمّح إلى أنها لن تكون كما يطمح إليها مئة في المئة ولكن «ستكون مقبولة وتجعل الجميع يشعرون بأنهم يساهمون في المهمة غير المستحيلة للإنقاذ».
وبرز في هذا السياق تحرك للسفيرة الأميركية دوروثي شيا أمس في اتجاه كل من عون وميقاتي قبل اللقاء بينهما، وقد أعلنت من القصر الجمهوري «أن الشعب اللبناني يُعاني والاقتصاد والخدمات الأساسية وصلا إلى حافة الانهيار، وكل يوم يمر دون وجود حكومة تتمتع بالصلاحيات وملتزمة وقادرة على تنفيذ إصلاحات عاجلة هو يوم ينزلق فيه الوضع المتردي أصلاً، أكثر فأكثر، إلى كارثة إنسانية، ولبنان يحتاج إلى قادته لاتخاذ إجراءات إنقاذ عاجلة».
وحضّت «الذين يواصلون عرقلة تشكيل الحكومة والإصلاح على وضع المصالح الحزبية جانباً»، مؤكدة «أننا رحبنا بإطار العقوبات الجديدة التي أعلن عنها الاتحاد الأوروبي لتعزيز المساءلة والإصلاح في لبنان، وستواصل الولايات المتحدة التنسيق مع شركائنا في شأن التدابير المناسبة».
وإذ لم تستبعد بعض المصادر أن تكون حركة شيا تتصل أيضاً بتأكيد نصرالله جلب المحروقات من إيران، وهو ما كرر ليل الأحد الوعد به «أؤكد أننا سنجلب قطعاً البنزين والمازوت من إيران واليوم الذي سيدخل فيه لن يكون في الليل، بل نهاراً وجهاراً وفي هذين اليومين أبلغكم متى»، توقفت عند التقارير الصحافية التي كشفت أن رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي اي اي) وليام بيرنز زار بيروت يوم السبت لساعات بعيداً عن الأضواء آتياً من تل أبيب، حيث التقى قائد الجيش العماد جوزف عون وعدداً من قادة الأجهزة الأمنية في سياق تأكيد الثقة والدعم للمؤسسة العسكرية والأجهزة اللبنانية.
https://www.alraimedia.com/article/1549735/خارجيات/هل-تولد-الحكومة-اللبنانية-ضمن-مهلة-نصرالله