تَرَنَّحَ المشهدُ في بيروت أمس بين «إغراق» بورصة تأليف الحكومة الجديدة بتفاؤل مبالَغ فيه بولادةٍ وشيكة «خلال ساعات»، وبين «حَذَر» الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في «حرْق المَراحل» على قاعدة أن «الأمورَ بخواتيمها» وأن تَصاعُد الدخان الأبيض يحتاج لاكتمال نصاب الـ «نعم» على مستوى توزيع الحقائب والأسماء والتوازنات وبيد مَن ستكون «مفاتيح» إدارةِ الملفات – الاقتصادية المحورية لفرْملة الانهيار الكبير.
وتَقاذفتْ الجبهة الحكومية مناخاتٌ متعاكسة هي من «عُدّة الشغل» نفسها التي طبعتْ مجمل مسارات التأليف في لبنان ومناوراته التي باتت حساباتها أكثر تعقيداً في ضوء التبعات الداخلية والخارجية سواء على مَن يُضبط «بالجرم المشهود» ناصباً «الفخ القاتل» الذي يفرّط بالفرصة الأخيرة لتفادي انفجار «الأزمة الانسانية» التي بدأت طلائعها، أو على مَن يُفْرِط في تراجعاتٍ تحت عنوان «حكومة الممكن» وهي التراجعات المحكومة بخطوط حمر محلية كما بالعيْن الحمراء العربية – الدولية على تشكيلةٍ لن تؤدّي المطلوب إذا جاءت «كيفما كان» وخارج الحدّ الأدنى من مواصفات الصدقية.
واستكمل رئيس الجمهورية ميشال عون وميقاتي أمس لقاءاتهما على وقع مؤشراتٍ إلى اعتمادهما استراتيجية السير «خطوة خطوة» عبر وضْع كل قطعةٍ من «بازل» التأليف يتم التوافق عليها، توزيعاً لحقيبة على طرف معين وتوافقاً على اسم لتوليها وفق تقاطعات بين الحزب المعني بها وبين كل من عون وميقاتي، في مكانها، لتُترك القِطع التي تُعتبر «القفل والمفتاح» للمرحلة الأخيرة.
وقبيل توجُّه ميقاتي إلى قصر بعبدا برزت معطياتٌ إلى أن تفاهماً أولياً حصل على أن تكون حقيبة الطاقة من حصة رئيس الجمهورية على أن تؤول الى اسمٍ توافقي، والاتصالات لتيار «المردة» (بزعامة سليمان فرنجية)، وأن العدل والداخلية ما زالتا محور نقاش لناحية الأسماء وفق ما أوردت قناة «او تي في» (التابعة لحزب عون التيار الوطني الحر).
وفي حين لم يكن اتضح إذا كان جرى حسْم اسم يوسف خليل للمالية أو التوافق على أن تكون التربية من حصة الحزب التقدمي الاشتراكي (بزعامة وليد جنبلاط) بعدما كان تم التداول بأن الرئيس عون يريد منْح الحقيبة الوازنة المعقودة للمكوّن الدرزي لحزب النائب طلال ارسلان وهو ما لم يحبّذه ميقاتي الذي تردّد أنه حاول تمثيل «المردة» بثلاث حقائب الأمر الذي رفضه رئيس الجمهورية، فإن أوساطاً متابعة اعتبرت أن لعبة التقاسم والتقسيم الحكومية لا بدّ أن تصل في مكان ما إلى مسألة التوازنات والأوزان التي سبق أن أطاحت بمهمة الرئيس سعد الحريري وإن غُلِّفت هذه المرة بشعار أن رئيس الجمهورية والرئيس المكلف سيتشاركان الموافقة على كل أسماء التشكيلة، وسط علامات استفهام حول مرجعية تسمية الوزراء السنّة الخمسة (إلى جانب الرئيس المكلف) والذين يصعب تَصَوّر أن لا يكون للحريري كلمة فيهم.
وفيما كانت أوساطٌ سياسيةٌ على خصومة مع «حزب الله» تحذّر من أي استسهالٍ لجعْل حقيبة النقل والأشغال من حصة الحزب، هي ذات الطابع الأمني وتطلّ على عنوانٍ محوري للخارج يتصل بالمرافئ والمطار من باب إصلاحي كما أمني، قال ميقاتي بعد الاجتماع مع عون «نستكمل المشاورات، وعدم تشكيل الحكومة هو خطيئة ونتمنى أن نرى الحكومة قريباً والأجواء إيجابية».
وأضاف «لم نتطرق إلى ملف البرنامج الحكومي لكن البرنامج موجود في ذهني، وسليمان فرنجية ليس عاتباً عليّ فهو يعلم أن لا حكومة من دون تمثيل يليق به».
ورأى ميقاتي ان «تشكيل الحكومة لا يرتبط بزمن معين والعمل جار بكل جهد لإزالة العقبات، وتشكيل الحكومة عبارة عن معادلة حسابية صعبة، ونشكّل حكومة لكل لبنان ونريد وزراء ذات جدارة.
وطبعاً هناك ولاءات معينة (للوزراء) ولكن نريد أن يتمتعوا بالكفاءة لتولي حقائبهم، وأنا على اتصال مستمر مع الرئيس الحريري ورؤساء الحكومات السابقين وهو يشجع قيام حكومة بأسرع وقت ومن أكثر الداعمين لذلك. وأمامنا الأمتار الأخيرة من المسابقة ونأمل أن نحلها بطريقة لائقة ومقبولة».
ولم يكن عابراً في غمرة «الأجواء الرمادية» في الملف الحكومي والتي تتبادل فيها يومياً الصدارةَ نِسبُ التشكيل القريب واعتذار الرئيس المكلف، أن يستبق ميقاتي زيارته قصر بعبدا بالردّ على تقارير صحافية نقلت عن قريبين منه أن قرار مصرف لبنان رفْع الدعم عن المحروقات ثم الحرب الكلامية بين الحريري وعون وفريقه عقب مجزرة التليل كما التحرك الاحتجاجي أمام منزل الرئيس المكلف مساء الأحد هي في إطار محاولة من زعيم «المستقبل» للتشويش وضرب الايجابيات في مسار التأليف.
فيمقاتي تمنى في بيان صدر عن مكتبه الاعلامي على وسائل الاعلام «التركيز على الايجابيات المطلوبة لانجاح تشكيل الحكومة والانطلاق الى المعالجات المطلوبة، لان بعض ما ينشر ويقال يندرج في إطار التحليلات التي تفتقد الى الدقة، أو الى التسريبات المعروفة الأهداف»، مشدداً في هذا الإطار على «متانة العلاقة» التي تربطه بكل من الحريري والرئيسين السابقين فؤاد السنيورة وتمام سلام «ودعمهم له الى أقصى الحدود ومواكبة جهوده لتشكيل الحكومة وفق الأسس الدستورية المعروفة».
بدوره غرّد الحريري عبر «تويتر» معلناً أن بيان ميقاتي «لسان حالناً جميعاً والعلاقة مع دولته أقوى من أن يتلاعب عليها المغرضون».
وفيما اعتُبر تعويم ميقاتي «وحدة الحال» بينه وبين رؤساء الحكومة السابقين مؤشراً إلى «الحدود» التي يمكنه التراجع إليها أمام مطالب عون، فإن الأنظار تتجه الى الجلسة التي دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري يوم الجمعة لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية حول الواقع الذي نشأ عقب القرار الذي اتخذه حاكم«المركزي» رياض سلامة بوقف الدعم عن المحروقات من دون انتظار صدور البطاقة التمويلية، طالباً «اتخاذ الموقف أو الاجراء او القرار المناسب في شأن الرسالة».
ويُنتظر أن تتحوّل هذه الجلسة حلبة مصارعة تتشابك فيها مختلف عناصر الاشتباك السياسي بين فريقيْ عون والحريري، كما بين «التيار الحر» وكتلة بري، على خلفية قرار «المركزي» كما مأساة التليل، وسط إشارات كانت صدرت عن محيطين برئيس البرلمان إلى أن ما عجز عون عن تحقيقه عبر محاولة الدعوة لجلسة استثنائية لمجلس الوزراء لوقف العمل بقرار سلامة، لن يحصل عليه من مجلس النواب لجهة محاولة تشريع الصرف من الاحتياطي الإلزامي، وأن المدخل الحقيقي لوقف هذا النزف هو بالإفراج عن الحكومة والإقلاع عن لعبة الشروط.