كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
لم يعد من مبرر لتمديد فترة تأخير إعلان التشكيلة الوزارية الذي يتحمل مسؤوليته – كما يقول مصدر سياسي – رئيس الجمهورية ميشال عون رغم أن مكتبه الإعلامي استبق انعقاد الجولة الحادية عشرة من مشاورات تأليفها، التي عُقدت أول من أمس، وراح يوزع جرعات من التفاؤل يُفترض أنها أُخضعت إلى الاختبار للتأكد مما إذا كانت جدية ولا يراد منها رمي المسؤولية على الآخرين الذين يحمّلون مسؤولية التأخير للفريق السياسي المحسوب عليه ويديره رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
ويؤكد المصدر لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يمكن التعامل مع جرعات التفاؤل التي يروّج لها عون إلا من «زاوية أنه يتوخّى رمي مسؤولية التأخير على الآخرين، ما لم يثبت العكس بترجمة أقواله إلى أفعال تدفع باتجاه تشكيلها قبل نهاية الأسبوع الحالي».
ويلفت إلى أن عون «بات محشوراً؛ ما اضطره إلى التفاؤل لاستيعاب الضغوط التي تحاصره وتتهمه بعدم الإفراج عن التشكيلة الوزارية في ضوء حصر مشاورات التأليف بتسمية الوزراء»، ويؤكد أن عون «يصر على الالتفاف على الإيجابية التي يبديها الرئيس نجيب ميقاتي للتصالح مع بيئته المأزومة وتطويق الضغوط الدولية والإقليمية التي ظهرت جلياً في الموقف الذي أعلنته السفيرة الأميركية لدى لبنان دوروثي شيا بعد اجتماعها به والذي يحمل دلالة واضحة بتحميله مسؤولية تأخير تشكيل الحكومة، وإلا فلماذا حرصت على إطلاق تحذيرها من أمام قصر بعبدا في مقابل إحجامها عن الإدلاء بموقف مماثل بعد اجتماعها بميقاتي الذي سبق اجتماعها بعون».
ويرى المصدر نفسه أن عون مضطر للتفاؤل بعد أن أحيط علماً بتقارير أمنية واضحة بأن استمرار التأزم الذي بلغ ذروته بعد المجزرة التي أصابت بلدة التليل العكارية سيأخذ لبنان إلى مزيد من الانهيار وسيرفع حجم الأثقال الملقاة على عاتق القوى الأمنية وعلى رأسها الجيش، ما يفقدها السيطرة بالكامل على الوضع الأمني للحفاظ على الاستقرار.
ويسأل عما «إذا كان عون بخلفيته العسكرية يأخذ على محمل الجد التحذيرات التي أُعلم بها مراراً من القيادات الأمنية والعسكرية التي يرزح ضباطها ورتباؤها وأفرادها تحت وطأة الضائقة المعيشية التي لم تقف حائلاً دون الحفاظ على تماسك المؤسسات وانضباطها، مع بقاء نسبة عدم التحاق العسكريين بمراكزهم أو الفرار منها تحت السيطرة».
وبكلام آخر؛ فإن عامل الوقت، بحسب المصدر نفسه، إذا استمر تعطيل الحكومة، فسيؤدي إلى «خلط الأوراق، ولن يكون لصالح الحفاظ على الاستقرار، وستكون له تداعيات على أداء المؤسسات العسكرية والأمنية التي حافظت حتى الساعة على صمودها وتماسكها؛ لأن حالات فرار العناصر وعدم التحاقهم بمراكز عملهم ليست منظّمة ولا تحمل بعداً سياسياً».
ويحذّر من «استمرار عون؛ بناء على نصائح فريقه السياسي، في اللعب على عامل الوقت الذي لم يعد لصالحه في مقابل حرص ميقاتي على عدم هدر الوقت معتمداً على التدخل الدولي من جهة؛ والضغوط الداخلية من جهة ثانية»، ويقول إن لجوء عون إلى تعميم موجة من التفاؤل لا يفيد، ويعزو السبب إلى أن المجتمع الدولي يحمّله مسؤولية إعاقة تشكيل الحكومة، وأن «اختبار تفاؤله لن يكون إلا بترجمته إلى خطوات ملموسة غير قابلة للنقض من قبل وريثه السياسي باسيل».
ويعدّ المصدر نفسه أن «ما يؤخر تشكيل الحكومة لا يتعلق بالخلاف على توزيع الحقائب ولا على تسمية الوزراء؛ وإنما فيما إذا أعاد عون النظر في حساباته وبادر إلى مراجعة مواقفه لملاقاة ميقاتي في منتصف الطريق شرط أن يتخلى عن مناوراته، ما يفسح المجال أمام ولادة الحكومة».
ولا يستبعد المصدر أن يكون عون «لا يزال مصراً على إعطائه الثلث الضامن في الحكومة ولو جاء مقنّعاً»، كاشفاً في الوقت نفسه عن أنه «لمح في أحد اجتماعاته بميقاتي إلى استعداده للتدخل لدى باسيل لحضّه على منح الثقة للحكومة»، ويقول إنه طرحه من باب السؤال للوقوف على رأي الرئيس المكلف.
لكن يُخشى من طرح عون أن يكون للتمهيد أمام حصر تسمية الوزيرين المسيحيين به بالنيابة عن باسيل بدلاً من التوافق على الاسمين مع ميقاتي، إضافة إلى أن خصوم عون ينظرون إلى جرعات التفاؤل التي يطلقها على أنها للاستهلاك المحلي بعد أن تعذّر عليه تطييف تشكيل الحكومة.
لذلك دخلت مشاورات التأليف دائرة الحسم، وتبقى كلمة الفصل لعون في إزالة العقبات التي تعترض ولادتها، ما يفتح الباب أمام الإعلان عنها قبل نهاية الأسبوع الحالي؛ لأن تمديد المشاورات في ظل انسداد الأفق يعني أن لبنان يتدحرج بسرعة نحو التهرُّؤ الشامل، وهذا ما يزيد الأثقال الأمنية الملقاة على المؤسسات العسكرية والأمنية التي أنذرت بأن الحل السياسي وحده يتيح لها السيطرة على الوضع للحفاظ على الاستقرار. فالقوى الأمنية ليست في وارد إقحامها في مواجهة أكثرية سكان لبنان الذين يشكون من الجوع والفقر وانعدام الحد الأدنى من الخدمات الصحية والطبية بسبب فقدان الأدوية، فيما تحاصر الضائقة المعيشية عديد هذه القوى.
ويبقى السؤال: أين يقف «حزب الله»؟ وهل يستمر في مراعاة حليفه باسيل، فيما يستعجل ولادة الحكومة من دون أن يضغط على عون؟ فإعلانه عن تسهيل تأليفها لن يقدّم أو يؤخّر ما دام لم ينخرط في الجهود الرامية لإخراجها من المراوحة، علماً بأن الوضع المأزوم يشمل أيضاً حاضنته السياسية، وهذا ما يظهر من التفلُّت الأمني في معظم المناطق الخاضعة لنفوذه أسوة بالمناطق الأخرى المهجورة سياسياً من قبل المنظومة الحاكمة.