كتبت جويل الفغالي في “نداء الوطن”:
“لبنان ليس بخير”، عبارة يتداولها رواد مواقع التواصل الإجتماعي بكثرة. فالمواطن اللبناني ينزف من كل النواحي. حتى أن الأزمة بدأت تمسّ أدنى حقوقه وحاجاته المعيشية والحياتية. وإذا كان من الممكن في القرن الواحد والعشرين، تقبّل “طوابير الذل” المتفاقمة يومياً، فانه من الخطورة بمكان أن تصل الأزمة الى إقفال المستشفيات بسبب شح المازوت.
تراكم الأزمات أدّى الى ترهّل القطاع الصحي في لبنان. فمن وباء كورونا، مروراً بفساد وإهمال المنظومة السياسية وعدم قدرتها على وضع خطة مالية واضحة لإعادة إحياء القطاع، وصولاً إلى النقص في الأدوية والمستلزمات الطبية من جهة، ونقص في مادة المازوت من جهة أخرى وصل القطاع إلى الحضيض. وأمام هذه الأزمات، يقع المواطن اللبناني ضحية هذه المنظومة الفاسدة، حيث بات حقه في الطبابة مهدداً. وقد أدى فقدان مادة المازوت في كل المناطق اللبنانية الى فوضى، وخاصة في القطاع الصحي حيث بات يشكل خطراً على أرواح العديد من المرضى داخل المستشفيات.
توجيه الإنذارات
“في السياق، مستشفيات كثيرة أطلقت الصرخة مع اقتراب نفاد مخزون المازوت وغياب كهرباء الدولة. فالأزمة تهدد حياة المرضى وخاصة مرضى العناية الفائقة، الذين يعيشون على أجهزة التنفس الاصطناعي، ومرضى غسيل الكلى والسرطان”، يقول نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون.
المركز الطبي في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت أعلن منتصف آب أنه: “يواجه كارثة وشيكة قد تسبب الإغلاق القسري المحتمل، اعتباراً من مطلع الأسبوع الحالي نتيجة انقطاع الوقود. ما يعني أن أجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها من الأجهزة الطبية المنقذة للحياة ستتوقف عن العمل، وسيموت على الفور 40 مريضاً بالغاً و15 طفلاً يعيشون على أجهزة التنفس. إضافة إلى 180 مريضاً يعانون من الفشل الكلوي، سيموتون بالتسمم بعد أيام قليلة من دون غسيل الكلى. كما سيموت المئات من مرضى السرطان، من بالغين وأطفال، في الأسابيع والأشهر القليلة اللاحقة من دون علاج مناسب. ووجه “المركز” نداءً عاجلاً إلى الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة ووكالاتها من منظمة الصحة العالمية، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة، وإلى جميع الوكالات والمنظمات القادرة على المساعدة، مناشداً إياهم تزويد المستشفى بالوقود الكافي قبل أن يضطر إلى الإغلاق في غضون أيام قليلة. كما وحمّل البيان الحكومة اللبنانية والمسؤولين في الدولة اللبنانية، المسؤولية الكاملة عن هذه الأزمة والكارثة الإنسانية، وعن أي حادثة ضرر أو وفاة ناجمة من عدم أمكانية تقديم الرعاية الطبية للمرضى”. كما وأعلنت جمعية راهبات الصليب “عن حاجتها الماسة الى مادة المازوت لكي تتمكن من الإستمرار في تقديم الخدمات الصحية والإستشفائية والطبية في كافة مؤسساتها، وهي تطلب من كل من وزارة الإقتصاد والهيئة العليا للإغاثة العمل على تأمين الكميات المطلوبة كي لا تضطر الى وقف تقديم الخدمات المطلوبة ما قد يرتد سلباً على المرضى وغيرهم من المستفيدين من هذه الخدمات”.
كميات الإستلام بالـ”قطارة”
“تسعى المستشفيات الى تأمين كميات من المازوت تكفيها لمدة شهر”، يقول هارون، “فهي تحتاج الى 350 الف ليتر من المازوت لليوم الواحد، والى ما بين 10و11 مليون ليتر للشهر الواحد، لكن المستشفيات لا تنال نصيبها اللازم من المادة، فالكميات بالكاد تكفي لثلاثة أيام فقط، وهي تبحث يومياً وبشكل متواصل عن المازوت. وفي حال لم تتمكن من تأمينها، تتعرض صحة المرضى للخطر”. ويضيف: “لا يمكن تخي٘ل سيناريو مستشفى بلا كهرباء، فهي حتماً ستقفل أبوابها، وبالتالي يصعب نقل المرضى الى مستشفى آخر. لذلك انعقد اجتماع نهار السبت جمع كلاً من وزير الصحة ووزير الطاقة وممثلين عن مصرف لبنان والشركات الخاصة لإستيراد المحروقات، حيث وعدوا المؤسسات الأكثر حاجة الى مادة المازوت بتسليمهم خلال يومين بإنتظار ما سيحمله الاسبوع القادم”.
وعن شح الدواء والمستلزمات الطبية يقول هارون: “هناك فواتير عالقة لدى مصرف لبنان، والموردون في الخارج يرفضون تسليمها قبل تسكير الفواتير القديمة، ما أدى الى فقدان عدد كبير منها، إضافة الى عدم وجود سياسة دعم واضحة، ما يخلق حالة ضياع بين التجار”. ويضيف: “وتتمادى المصارف لتبلغنا أنه يجب على المستشفيات تسليم رواتب الموظفين الموطنة نقداً، وهذا أمر مستحيل، وسنسجل موقفاً تجاه أي قرار مثل هذا النوع، ومن الممكن أن نصل لمرحلة عدم استقبال من هم على عاتقهم إلا بشرط تسديد الفواتير نقداً، أي وفق المعاملة بالمثل”.
وتبقى أزمات لبنان مرهونة بضرورة تشكيل حكومة قادرة على المباشرة بالإصلاحات ومكافحة الفساد، شرط أساسي للحصول على الدعم الخارجي. لأنه بإمكانيات لبنان الحالية من المستحيل إنقاذ القطاعات المثقلة بالمشاكل. فماذا ينتظر المسؤولون؟