كتب منير الربيع في “الجريدة” الكويتية:
تتزاحم الملفات السياسية والاقتصادية في لبنان وتتشابك فيها وقائع داخلية وخارجية، والعناوين العريضة لا تزال على حالها، في موازاة العمل على تفاصيل تتعلق بتشكيل الحكومة، وسط استمرار المفاوضات للوصول إلى اتفاق يؤدي إلى إنجازها.
لكن العناوين الأوسع ستبقى عالقة بانتظار تفاهمات أكبر، حتى لو تشكلت الحكومة، ومن بينها «البرنامج الاقتصادي للحكومة، ووجهتها السياسية والعلاقات مع القوى العربية والدولية». هذه النقاط تقود لما هو أوسع، ويربط لبنان بكل ملفات المنطقة وتطوراتها؛ فـ «حزب الله» يستعد للإعلان عن إدخال النفط الإيراني، ويرجح أن يعلن أمينه العام حسن نصر الله، اليوم في ذكرى عاشوراء، موعد دخوله.
يريد «حزب الله» بخطوته هذه أن يقول إنه لم يضعف بعد، ولم تنعدم خياراته الاستراتيجية، التي تمكنه وبيئته من الحفاظ على الصمود. لكن ذلك سيكون مؤشراً على تغير بالوجهة السياسية للبنان، وسط تحذيرات دولية وعربية كبيرة بعدم الإقدام على إدخال النفط الإيراني، لأن ذلك سيعرضه لعقوبات والمزيد من الضغوط، وسيصبح منغمساً أكثر في المحور الإيراني.
في هذا الإطار كانت زيارة السفيرة الأميركية دوروثي شيا للرئيس ميشال عون، وتحذيره من الإقدام على تلك الخطوة، في حين لا يبدي «حزب الله» التراجع، ويصر على توفير المحروقات وفق سياسة عدم الاستسلام أو الرضوخ للضغوط. وسيعزز ذلك المزيد من الانقسام السياسي لبنانياً، بينما الرؤية الدولية ستكون، وفقاً للخط البياني الثابت والواضح، أن الخروج من الأزمة يرتبط بجردة إصلاحات جذرية في كل القطاعات، وحتى الآن كل مقوماتها غير متوافرة، ولا حتى الحكومة التي يتم العمل على تشكيلها قادرة على توفيرها، بسبب اختلاف الرؤى والتوجهات. وعلى وقع تأكيدات الحزب باقتراب النفط الإيراني، كان لافتاً توقيت إصدار بيان عن قوات الطوارئ الدولية العاملة «اليونفيل»، حول عدم صلاحياتها بمنع دخول مادة نيترات الأمونيوم لسواحل لبنان، فليس صدفة أن يصدر هذا البيان في هذا التوقيت، بعد أشهر من مهاجمة «اليونفيل» وتحميلها مسؤولية غض النظر عن باخرة النيترات، التي دخلت مرفأ بيروت في 2014 وبقيت حتى تفجرت في 2020.
جاء بيان «اليونيفيل» ليؤكد عدم صلاحيتها للبت في هذا الأمر، خصوصاً أن نطاق عملها محصور وفق مندرجات القرار 1701 في جنوب نهر الليطاني. وإشارة «اليونيفيل» تحمل أيضاً تحللاً من أي مسؤولية قد تتعلق بإدخال النفط الإيراني لاحقاً، لأنها لا تتمتع بأي صلاحيات حول هذا الأمر. ويندرج ذلك في معركة شد الحبال الدولي-الإقليمي حول دور «اليونيفيل»، فآخر الشهر ستعقد جلسة مجلس الأمن للبحث في تطبيق القرار 1701 والتزام لبنان به، وهناك ضغط أميركي في سبيل توسيع نطاق عمل وصلاحيات القوات الدولية، وهو أمر يرفضه «حزب الله» ومن ورائه إيران، ويرتكزان على دعم روسي- صيني لموقفهما.
وبانتظار حلول موعد عقد الجلسة وبتّ مصير «اليونيفيل»، تشير المعطيات إلى أن التمديد سيحصل من دون أي تعديلات تذكر. وفي هذا السياق، وقع ليل الثلاثاء- الأربعاء إشكال في مدينة النبطية بين دورية دولية من التابعية الأيرلندية وبين «الأهالي». وبحسب المعلومات، فإن الإشكال حصل خلال مرورها في أحد شوارع المدينة وتصوير بعض المناطق، مما أدى إلى تطويقها وانتزاع الكاميرات ومسح الصور، حتى تدخل الجيش وفضّ الإشكال. لكن ذلك مؤشر على عدم استتباب الأمر بناء على وجهة نظر بعض القوى الدولية التي تسعى إلى توسيع صلاحيات «اليونيفيل»، وتزويدها بتقنيات حديثة لكشف حركة السلاح.
هذه التطورات كلها لا يمكن أن تفصل عن زيارة رئيس الاستخبارات الأميركية وليم بيرنز للبنان وبحثه مع قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية جملة ملفات أهمها الحفاظ على الاستقرار، ومنع حصول أي توتر على الحدود الجنوبية، بالإضافة إلى منع إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، لأن لا أحد يريد الحرب أو التصعيد، ولو كان ثمن منعها هو الدخول في مسار سياسي طويل يؤدي في نهايته إلى انسحاب إسرائيل من مزارع شبعا.