كتب منير الربيع في “المدن”:
يخطئ من يظن أن ما يحول دون تشكيل الحكومة حتى الآن هو الصراع على الحصص وأنواع الحقائب الوزارية. هذه العقد قائمة، لكنها غلاف لعقدة أوسع: الخلافات على وجه لبنان السياسي ووجهته.
غالب ومغلوب
فالمحطة التي وصل إليها الصراع الدائر في لبنان، أقله منذ اغتيال رفيق الحريري، تظهر بوضوح أن هناك غالباً ومغلوباً، على خلاف الشعار اللبناني القديم: “لا غالب ولا مغلوب”، الذي كانت تنتهي إليه النزاعات. لذا يستحيل على أي من الطرفين المتصارعين اليوم التسليم بتشكيل الحكومة على قاعدة التوزان، مادام مكسوراً منذ سنوات.
وهو توازن يفقد حالياً فرصة إعادة إنتاجه على الصورة السابقة. فالزمن لم يعد زمن التسويات والتوازنات. والإدارة التقليدية للمسار السياسي اللبناني لا يمكنها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. ومعظم القوى السياسية تعتبر أن التوازن أصبح مختلاً في لبنان.
المنتضران أو الغالبان
وتعلم هذه القوى أن استعادة التوازن صارت مستحيلة من خلال تشكيل حكومة. فلا الطرف الشيعي الأقوى مستعد للتنازل عن ما حققه. ورئيس الجمهورية لن يتنازل عما حققه – من منظوره – طوال سنوات عهده وما قبلها، على الصعيد الشخصي والسياسي.
ومن هذه الزاوية لا يقيم الطرفان الغالبان وزناً كبيراً للتداعيات السلبية لمعركتهما السياسية، اقتصادياً واجتماعياً. فالطرف الشيعي الأقوى لن يتخلى عن مصدر قوته، والرئيس ميشال عون ينطلق في معركته من عنوان مواجهة القوى السياسية كلها لاستعادة الصلاحيات الرئاسية القديمة.
وفي هذه المعادلة موقع رئاسة الحكومة هو الأضعف، لأنه حصيلة التوازنات. لكن من يتحكم اليوم بوصول رئيس للحكومة وتشكيل حكومته، هو حزب الله ورئيس الجمهورية. لذا يكون أمام أي رئيس حكومة مكلف خيار من إثنين: إما تشكيل حكومة وفق الشروط المفروضة عليه، فيربح على الصعيد الشخصي ويسلّم بالتوازنات المكسورة، أو يظل يرفض الرضوخ ويدخل في نفق الأخذ والرد، وصولاً إلى الفشل في التشكيل، فالذهاب إلى الإعتذار. وهذا ما فعله سعد الحريري الذي رفض تقديم التنازل المطلوب.
الخيار الثالث والجيش
واليوم هناك طرف ثالث يعتبر أن الخيار الوحيد لاستعادة التوازن، يتمثل في اعتذار ميقاتي، واحتشاد “المجتمع السنّي” على موقف واحد يقاطع العهد ويؤسس لمرحلة سياسية جديدة، هدفها استعداة التوازن بانتهاج طريق المعارضة على وقع الانهيار الكبير.
فالتوازنات السياسية المكسورة، تزيد من الاحتقان الشعبي والجماهيري في جميع المناطق، على وقع عمليات الكشف عن كميات هائلة مخزنة من المحروقات في المناطق والبيئات السياسية والاجتماعية المعروفة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن دور الجيش يجب ألا يقتصر على الكشف عن هذه الكميات التي يصادرها، بل إن الحال تقتضي نشر أسماء المخزنين وارتباطاتهم، كفاتحة أساسية لمعركة تعزيز الوعي الشعبي حيال القوى السياسية.
تجرؤ على الثنائي الشيعي
ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى نزعة التجرؤ على الثنائي الشيعي والتوقف عندها، بعد اكتشاف كميات محروقات مخزنة في مناطق البيئة الشيعية. وهذا مؤشر بالغ الأهمية. فهناك فئات في هذه البيئة تعتبر أن الثنائي لم ينجح في ضبط الأمور وتسييرها في بيئته، لأن ما قام به يشبه تماماً ما قامت به القوى السياسية في البيئات الأخرى.
وهذا يفضي إلى الاستنتاج أن “ما حدا أحسن من حدا”. أي أن الجميع، أحزاباً وقوىً وبيئات، متساوون وليس من بيئة قادرة على التغلب على هذا الترهل وهذه الفوضى، أو تمتلك قدرة استثنائية على منع حصول التجاوزات والاحتكارات والتحلل والانهيار.
نزعة بوليسية ونفط إيراني
ويشير سلوك أجهزة الدولة أو السلطة إلى استفحال النزعة البوليسية في التجرؤ على قوى الاعتراض الشعبي المتناثر. وذلك بعمليات التوقيف أو التخويف من دخول عناصر تخريبية. وغاية هذا الحد من اتساع رقعة الاحتجاجات.
ويرتبط وجه من وجوه التخويف بعمليات الحرق التي تعرضت لها كثرة من محطات إنتاج الكهرباء أو محولاتها. وهذا ما حصل في قصقص ومناطق أخرى. وقد يحصل في محطات إرسال الأنترنت. ويهدف هذا إلى تخويف اللبنانيين بالقول لهم إن الاستمرار في الاحتجاجات والتحركات يؤدي إلى المزيد من الخراب، وحرمانهم من الطاقة الكهربائية ومن الإنترنت.
أمام هذه الوقائع والتطورات لا تبدو الحكومة فرصة للإنقاذ والخروج من دائرة الأزمات المتوالية. فالصراع على الحصص قائم والاختلاف على الوجهة السياسية والاقتصادية للبنان قائم أيضاً.
وما قد يزيد الطين بلة هو إعلان حزب الله عن إدخال النفط الإيراني إلى لبنان، وما سيكون لذلك من ارتدادات سلبية على علاقة لبنان بالمجتمعين العربي والدولي، اللذين لا بد أن يتزايد إهمالهما لبنان وعدم اهتمامهما به.