كتب وسام أبو حرفوش في الراي الكويتية:
…كأنّها «عبوة ناسفة» على متن «التايتنيك» اللبنانية. هكذا بدا وقْعُ تدشين الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله مرحلة «إبحار» الأزمة الشاملة في «بلاد الأرز» على متن سفن إيرانية محمّلة بالمحروقات وبـ «قنابل موقوتة» سياسية – ديبلوماسية – أمنية تضع الوطن الجريح أمام «مثلث موت» إما بتشظيات العقوبات الأميركية على طهران أو بـ «قانون قيصر» وإما بالدوس على «لغم» توتُّر البحار بين اسرائيل وإيران وتَمدُّده إلى المقلب اللبناني.
هكذا بدت بيروت أمس بعد إعلان نصرالله أن «سفينة إيرانية ستنطلق اليوم (أمس) في اتجاه لبنان وستحمل معها المازوت، على ان تتبعها سفن أخرى إن شاء الله»، متوجّهاً إلى الأميركيين والاسرائيليين «بأن السفينة التي ستبحر بعد ساعاتٍ من إيران هي أرض لبنانية، ولا نريد أن ندخل في تحدٍّ مع أحدٍ بل نحن قومٌ نرفض أن يُذلّ شعبُنا»، ومعتبراً أن «ما يجري حرب اقتصادية أميركية لإخضاع اللبنانيين خدمةً لمصالح إسرائيل، والسفارة الأميركية في عوكر هي الوكر المباشر الذي يدير هذه الحرب وهي سفارة تآمُر على شعب لبنان».
ورغم أن مفاجأةَ نصرالله جاءتْ غير مفاجئة، إذ كانت مقدماتها اكتملت وسط معلومات كشفتها «الراي» قبل أيام عن أن السفن الإيرانية سترسو في مرفأ طرطوس وتفرغ حمولتها لنقلها براً عبر سورية، إلا أن الأمين العام بدا كمَن «يضغط على الزناد» فوق صفيح ساخن مزودج:
أوله أرضٌ يملأها «بارود» الشارع الذي يغْلي على وقع اتساع «حلقة موتِ» كل مقوّمات الحياة لشعبٍ يصارع العتمةَ القاتلة وتفجّرت دفعةً واحدةً كل صماماتِ أمان أمنه الصحي والغذائي، في المأكل والمشرب، وتوشك أن تتقطع به سبل الاتصال والتواصل بفعل أزمة المحروقات الفتّاكة.
وثانيه مسرحٍ سياسي كان يشهد «تهشُّم» ملف الحكومة الجديدة فإذ بالمحروقات الإيرانية تصبّ الزيت على «ناره» التي كانت بدأتْ تستعر منذ مجزرة التليل العكارية وزادَ «لهيبُها» أمس على وقع الردود العنيفة على «وعد السفن» ولا سيما من زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري.
وفي موازاة الاهتمام البالغ بتداعياتِ دخولِ لبنان «الزمن الإيراني» من بوابةٍ جديدةٍ هي المحروقات، وسط رصْدٍ لكيفية «نجاةِ» بيروت من شِباك العقوبات على إيران و«قيصر» وتفادي «فنْزولةٍ» لا يتحمّلها، فإن «كبسةَ الزر» هذه، التي يصعب أن «تفلت» منها الدولة اللبنانية بالطريقة المعهودة وكأنها «شاهد ما شافش حاجة» متذرّعة بأن وزارة الطاقة لم تتسلم طلباً رسمياً بالاستيراد من إيران أو أن المحروقات لن تمرّ ربما عبر المعابر الشرعية، بدا وكأنها انفجرت بملف تأليف الحكومة الذي كانت تقاطعت المؤشرات عشية إطلالة نصر الله على أنه «احترق» بلعبة الشروط القديمة – الجديدة لفريق رئيس الجمهورية ميشال عون.
ولم تتأخّر إسقاطاتُ ما أعلنه نصرالله على الوضع الحكومي في الظهور، وسط اعتبار أوساط مطلعة أن الأمر جاء بمثابة «هدية مسمومة» للرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي حرص قبل الموافقة على تولي هذه المَهمّة شبه الانتحارية على تكوين حدّ مقبول من الغطاء العربي والدولي الذي لا شك أنه سيتبدّد مع خطوةٍ لن يكون ممكناً التعاطي معها من دول الخليج خصوصاً إلا على أنها مزيد من الإمعان في حرْف لبنان نحو المحور الإيراني وتالياً رفْع «جدران العزل» مع محيطه العربي الذي يشكّل القاطرةَ الرئيسيةَ لأي مسار خروج من الحفرة المالية التي لا ينفك الائتلاف الحاكم يوسّعها ويعمّقها.
وفيما كانت التحذيرات على أشدّها من الارتدادات الخطيرة التي ستترتّب على تكريس التماهي بين السلطة و«حزب الله» الذي أعلن أمس، «الأمر لي» في قرارٍ اقتصادي وكأنه «الحرب والسلم» في حساسيته ويشي بتعميق جِراح لبنان بالعقوبات كما بحال أي استهدافٍ اسرائيلي للسفن في البحر أو للصهاريج التي تنقلها براً ولو حصل ذلك في سورية باعتبار أنه سيفرض «معادلات ردعٍ» بالنار، فإن البيان العالي اللهجة الذي أصدره الحريري عكس الارتجاجات الحكومية والتبعات الداخلية والخارجية لهذه الاندفاعة التي لا يمكن عزلها عن رقعة الشطرنج الاقليمية وعن النووي الإيراني الذي باتت له جبهة مفتوحة في «الأزرق الكبير» عنوانها «حرب السفن».
فالحريري سأل «هل ما سمعناه هذا الصباح عن وصول السفن الايرانية هو بشرى سارة للبنانيين أم هو إعلان خطير بزج لبنان في وحول صراعات داخلية وخارجية”؟
وقال: «يعلم حزب الله أن أساس أزمة المحروقات في لبنان تنشأ عن التهريب المتعمّد لخدمة النظام السوري، والاجدى في هذه الحالة وقف التهريب بدل تمنين اللبنانيين بالحصول على المازوت الإيراني.
ويعلم الحزب ايضاً أن سفن الدعم الايرانية ستحمل معها الى اللبنانيين مخاطر وعقوبات إضافية على شاكلة العقوبات التي تخضع لها فنزويلا ودول أخرى».
وأضاف «ان اعتبار السفن الايرانية أراضي لبنانية يشكل قمة التفريط بسيادتنا الوطنية، ودعوة مرفوضة للتصرف مع لبنان كما لو أنه محافظة ايرانية.
ونحن بما نمثل على المستوى الوطني والسياسي لن نكون تحت أي ظرف غطاء لمشاريع إغراق لبنان في حروب عبثية تعادي العرب والعالم».
وتابع «نعم إن ايران تعطِّل تأليف الحكومة. وإلا كيف تجيز الدولة الايرانية لنفسها مخالفة القوانين الدولية فتقبل بإرسال السفن الى لبنان دون موافقة الحكومة اللبنانية؟ فهل نحن في دولة تسلم فيها حزب الله كل الحقائب الوزارية، من الصحة الى الاقتصاد الى الدفاع الى المرافئ والاشغال العامة، له ساعة يشاء أن يطلب الدواء من ايران، وان يستدعي السفن الايرانية المحملة بالمازوت والبنزين وان يهدد بادخالها بحراً وبراً وجهاراً نهاراً، رغما عن السلطات العسكرية والامنية»؟
وختم: «نعم المواقف التي سمعناها قبل قليل تقول للبنانيين انهم لا يريدون حكومة. فأي حكومة هذه التي يريدونها أن تفتتح عملها باستقبال السفن الايرانية والاصطدام مع المجتمع الدولي، في وقت أحوج ما يكون لبنان الى حكومة تحظى بدعم الاشقاء والاصدقاء. يستطيع حزب الله أن يحصل على تأشيرة تواطؤ مع العهد، وأن يغطي نفسه بصمت الفريق الرئاسي، لكنه لن يحصل من اكثرية اللبنانيين على إجازة مرور لتسليم لبنان للسطوة الايرانية.
هذه مواقف ستضاعف من معاناة الناس المعيشية والاقتصادية، وتشق الطريق السريع الى جهنم».
وفي موازاة الغليان السياسي الذي أعقب كلام نصرالله، برزت مفارقة أن يتزامن جرّ لبنان إلى فم «حرب المَحاور» مع إبلاغ السفيرة الأميركية دوروثي شيا الى عون قرار واشنطن بمساعدة «بلاد الأرز» «لاستجرار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سورية عن طريق الغاز المصري» وصولاً الى شمال لبنان، وسط تأكيد شيا أن مفاوضات تجري مع البنك الدولي لتأمين ثمن الغاز وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز، وذلك بعد معلومات أوردها موقع «لبنان 24» عن تداولٍ بأن شركتي «توتال» و«كورال» تتجهان لوقف خدماتهما بصورة نهائية في لبنان، ناقلة عن أوساط متابعة أن قرار الشركتين جاء بعد موقف نصرالله.
كل ذلك جرى ويجْري في ظلّ تَصَدُّع مسار تأليف الحكومة واستعادته «صداع» الأحجام والأوزان والتسميات، وهي العناوين التي طفت بقوة في الساعات الأخيرة وصولاً إلى مناخاتٍ بأن ميقاتي يقترب من الاعتذار، وسط معطيات عن أكثر من عقدة «تقنية» كابحة للإفراج عن الحكومة بينها أسماء الوزراء المسيحيين ومرجعيات تسميتهم و«منسوب» ولاءاتهم الحزبية، لأن هذا يشكّل «المصبّ» في ما خص أمّ العقد المتمثلة بالثلث المعطل ولو المقنّع، الى جانب اسميْ مَن سيتوليان حقيبتيْ الداخلية والمال.
وحاول كل من عون وميقاتي أمس، تهدئة الجبهة الحكومية التي تَسَبَّبَ الجو البالغ التشاؤم الذي دهمها بارتفاع كبير في سعر صرف الدولار في السوق الموازية، لامس معه مجدداً عتبة 20 ألف ليرة، عبر بيانيْن لم يؤشرا لإيجابيات بمقدار ما حاولا فرْملة انهيار عملية التأليف التي حَكَمتها في الفترة الأخيرة هبّات تفاؤل وهمية بدت على طريقة انتظار مَن سينسف أولاً مسار التشكيل، وسط اعتبار فريق رئيس الجمهورية أن ثمة مَن يريد إفشال مهمة الرئيس المكلف لتسديد ضربة قاضية للعهد، واقتناع خصومه بأن عون لا يريد حكومة لتبرير فراغاتٍ مؤسساتية توصل إلى بقائه في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته (اكتوبر 2022) أو أنه لن يوقّع إلا تشكيلة تكون بمثابة «بوليصة تأمين» لصهره رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل في السباق الرئاسي.
وأعلن عون في بيانه أنه ملتزم «المعايير الواجب اعتمادها في توزيع الحقائب الوزاريّة على الطوائف والكتل بعدالة ومساواة وفق ما تقتضيه مصلحة لبنان واللبنانييّن وما يفرضه الدستور والميثاق»، مؤكداً «لم يرد يوماً في حساب الرئيس عون المطالبة بالثلث المعطّل، وبالتالي فإنّ كلّ ما قيل عن طلب رئيس الجمهوريّة تسعة أو عشرة وزراء عارٍ من الصحة جملةً وتفصيلاً ولا أساس له، بل اختلقه البعض للتشويش على الاتصالات القائمة بين الرئيسين عون وميقاتي، وذلك تحقيقاً لغايات لدى البعض لمنع ولادة الحكومة»، ومعتبراً «حيال ما صدر من تصريحات وتحليلات تعمّدت تشويه مواقف رئيس الجمهوريّة، أن ثمّة خشية مبرّرة بأن يكون الهدف ممّا يصدر، الدفع بالرئيس المكلّف الى الاعتذار، وهو ما لا يريده الرئيس عون، أو التمهيد لذلك، بغية إبقاء البلاد دون حكومة في هذه الظروف الصعبة والدقيقة التي يجتازها لبنان».
وأكد أنّه «مصمّم على الاستمرار بالتعاطي بانفتاح وتعاون وإيجابيّة مع الرئيس المكلّف، لتأمين ولادة حكومة يرضى عنها اللبنانيّون وتلاقي دعم المجتمع الدولي، إدراكاً منه لعمل عدّة قوى على منع تأليف الحكومة وتصميمها على أخذ البلد باتجاه الفوضى، تحقيقاً لغاياتها السياسيّة».
بدوره ردّ ميقاتي معلناً أنه يقدّر لرئيس الجمهورية «مضمون البيان الذي أصدره وتأكيده استمرار التعاون لتشكيل حكومة يرضى عنها اللبنانيون وتلاقي دعم المجتمع الدولي»، مؤكداً «أنه سيستمر في مسعاه لتشكيل الحكومة وفق الأسس المعروفة»، ومتمنياً على الجميع «إقران الإيجابيات المعلنة بخطوات عملية لتسهيل مهمته وتشكيل الحكومة في أسرع وقت».