أعلن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته أمس في ذكرى عاشوراء، ان “سفينتنا الأولى التي ستنطلق من إيران محملة بالمواد النفطية أَنجزت كل الترتيبات”، مضيفاً أنها “حُمّلت بالأطنان المطلوبة، وستبحر خلال ساعات إلى لبنان” من غير الكشف عن الآليات التنفيذية لها، مكتفياً بالقول إنها لدى وصولها إلى البحر المتوسط سيجري الإعلان عن الخطوات”، مؤكداً أنّ “سفناً أخرى ستتبعها فالمسألة ليست مسألة سفينة واحدة”.
وشدّد على أنّ “الأولوية في السفينة الآتية من إيران هي للمازوت من أجل “المستشفيات ومصانع الأدوية ومصانع المواد الغذائية وأفران الخبز ومولدات الكهرباء”. وحذّر نصر الله الإسرائيليين والأميركيين من أن حزبه سيعتبر السفينة “أرضاً لبنانية”، وتابع: “من فرض علينا اتخاذ هذا القرار هو من فرض علينا الحرب الاقتصادية. لا يخطئنّ أحدٌ أن يدخل في تحدٍ معنا لأن الأمر بات مرتبطاً بعزّة شعبنا ونرفض أن يُذلّ هذا الشعب”.
ويقدّر أن تصل شحنة النفط الإيرانية إلى لبنان خلال مدة تتراوح بين 12 و15 يوماً، فيما لم يتم الجزم ما إذا كانت الشحنة ستُفرغ في الموانئ اللبنانية أم في ميناء سوري وتُنقل براً إلى لبنان.
فما هي أبعاد هذه الخطوة وهل تعرّض لبنان الى العقوبات اذا تم تفريغها في سوريا ونقلت براً الى لبنان؟ وهل يحق لنصرالله اعتبار الباخرة بمثابة ارض لبنانية بقرار منه خصوصا وان المحروقات ليست باسم الدولة بل باسم اشخاص في ظل غياب اي موقف رسمي من كل هذه المعطيات.
المرجع القانوني رئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص أكد لـ”المركزية” ان “استيراد الوقود من إيران، دون الحصول على إعفاء خاص من وزارة الخزانة الأميركية قد يضع البلاد تحت خطر العقوبات الأميركية. وهذ الأمر قد ينعكس مباشرة على حركة التحويلات والاعتمادات والشحن من لبنان وإليه وتمتنع المؤسسات المالية العالمية والمصارف الدولية المراسلة عن التعاون معه، في حال خرق هذه العقوبات”، جازماً “ان القانون الأميركي ليس محصورا فقط باستيراد النفط من إيران، بل إن التعاملات مع البنك المركزي الإيراني محظورة هي الأخرى، فالتعامل مع الجهات الإيرانية الوسيطة في الشحن وفي التمويل يعرّض القطاع المصرفي والمالي اللبناني أيضاً للعقوبات إذا تمّ من دون إعفاء خاص”.
وأوضح مرقص “ان الأمر التنفيذي 13846 بتاريخ 6 آب 2018 ينصّ على فرض عقوبات من السلطات الأميركية على كل من يقدم عن علم على الدخول بصفقات مع شركات النفط الإيرانية في سبيل شراء أو حيازة أو بيع أو نقل أو تسويق البترول أو المنتجات البترولية من السلطات الإيرانية على سبيل المثال، بنزين الطائرات، بنزين السيارات، زيت الوقود المقطر”، مشيراً الى “أن استيراد النفط الإيراني الى لبنان هو ممنوع بمقتضى العقوبات الأميركية والقوانين ذات الصلة، لاسيّما العقوبات التي صدرت بحق إيران في ٥ تشرين الثاني ٢٠١٨ عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية OFAC وذلك كأداة لتحقيق أهداف الأمن القومي والسياسة الخارجية الأميركية، وهي من أشدّ العقوبات التي صدرت بحقّ إيران”.
ولفت مرقص الى “أن العقوبات الأميركية على إيران تمنع أي تعامل مع هذه الدولة من شأنه أن يساهم بتحقيقها عائدات، لاسيما إن كانت عائدات في مجال الصناعة النفطية والتجارة بالبضاعة الإيرانية، فلم يسلم أي قطاع انتاجي إيراني من العقوبات الأميركية التي تطال كل الأطراف المتعاملة في هذا المجال إن كانوا أفرادا أم شركات”، مشيراً إلى أن العقوبات الأميركية هي على الأفراد والكيانات، أي أن أي شركة أو فرد من القطاع الخاص أو العام الذي يساهم ويسهّل ويساعد في عملية استيراد النفط الايراني ان كان تفريغا او نقلا او شحنا او اي طريقة أخرى مادية أو لوجيستية، هو معرّض للعقوبات الأميركية”.
أضاف: “لكن ذلك لا يعني أنه لا توجد إمكانية للقيام بهذا الإستيراد، فقد تتمّ هذه العملية إذا حصل لبنان على إعفاء خاص من هذه العقوبات وذلك عبر تقديم الدولة اللبنانية طلب إعفاء أو استثناء من قبل وزارة الخزينة الأميركية، ينبغي أن يتضمن تبريرا مقنعا ومعلّلا عن الحاجة الحيوية للدولة اللبنانية لهذه الخدمات، وإن كان من الصعب أن تعطي الولايات المتحدة هذه الإجازة، مع الإشارة الى أنه لا تتمّ هذه الإجازة إلا عبر طلب يقدم من قبل دولة وليس عبر شركة أو حزب أو جهة سياسية أياً كانت”.
أما بالنسبة لمبادرة حزب الله لإقدامه على استيراد النفط من إيران الى لبنان، فقال مرقص: “يجب في إطار هذا الأمر معرفة ما اذا كانت هذه العملية هي على سبيل التعامل التجاري أم لا، وماهي الآلية التي سوف تتبعها وبواسطة أي شركات. وبالرغم من الحاجة الحيوية للبنان لمورد نفطي، إلا أن هناك مخاطر ترافق هذه العملية، بالأخصّ على الشركات التي تقدم ليس فقط على استيراد النفط بل أيضاً على تفريغ وتوزيع حمولة النفط القادم من إيران”.
وتابع: “بغض النظر عن كون عملية استيراد النفط من إيران هي مبادرة حميدة إجتماعياً، ولكن الأمر لا يخلو من المخاطر القانونية التي قد تطال هذه الشركات، بحيث أنه من الصعب أن تتمّ عملية الاستيراد دون مواجهة خطر التعرّض للعقوبات الأميركية. إذاً التوفيق بين نجاح هذه المبادرة وعدم التعرّض للعقوبات هو أمر في غاية الأهمية يجب دراسته بعناية وحذر. ويمكن للحكومة اللبنانية المساهمة في هذا التوفيق، وذلك عبر التقدّم بطلب إعفاء خاص من وزارة الخزانة الأميركية، لاسيّما وأنّ هذا الأمر من الضرورات الماسّة والملّحة للشعب اللبناني”.
من جهة أخرى، أكد مرقص ان الولايات المتحدة سبق أن قدّمت إعفاءات لدول عديدة من العقوبات على استيراد النفط الإيراني، وحظيت الدول كالصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا وإيطاليا واليابان وتايوان واليونان باعفاءات استثنائية من العقوبات، لأن وفق ما صرّح وزير خارجية أميركا السابق مايك بومبيو، فإن الإعفاء جاء بالنظر الى الظروف الخاصة لهذه البلدان التي تعتمد بشكل كبير على النفط الإيراني، وكذلك لضمان العرض الكافي في سوق النفط. ورغم أن الخزانة الأميركية قدّمت هذه الإعفاءات الا أنها كانت إعفاءات موقتة، لكي تتمكن هذه الدول من أن تجد بديلًا للنفط الإيراني، حتى أن الهند التي هي واحدة من اكبر البلدان المستوردة للنفط الإيراني، توقفت عن الاستيراد بعد انتهاء مهلة الاعفاء الممنوحة لها، وحظي العراق مؤخراً بتمديد لمهلة الاعفاء من العقوبات من قبل الإدارة الأميركية الجديدة”.