Site icon IMLebanon

عوائق تقنية أمام الغاز المصري والكهرباء الأردنية: الفيول العراقي أول الحلول؟

كتب إيلي الفرزلي في الأخبار:

عاد ملف استجرار الطاقة إلى الواجهة. التوقعات كبيرة. فأي دعم طاقوي يمكن أن ينقذ البلد من العتمة. الغاز المصري يمكن أن يسهم في تشغيل معمل دير عمار والكهرباء الأردنية يمكن أن تسهم في دعم الشبكة اللبنانية بـ270 ميغاواط إضافية. لكن في الحالتين، يتضح وجود عوائق تقنية قد تؤخر الاستفادة من الخطين. ولذلك، ثمة من يدعو إلى الاستفادة من الزخم الأميركي المستجد لتفعيل الاتفاق مع العراق، والحصول على كميات أكبر من الفيول، بما يضمن زيادة التغذية بشكل ملحوظ إلى حين تذليل العوائق من أمام الربط العربي.

بدا أن كل أزمة الكهرباء حُلّت دفعة واحدة. كان لكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عن قرب وصول باخرة المازوت الإيراني إلى لبنان مفعول السحر على السفيرة الأميركية دوروثي شيا، التي سارعت إلى تبشير رئيس الجمهورية ميشال عون بحلّ كل العوائق أمام استجرار الكهرباء من الأردن والغاز من مصر. وأكثر من ذلك سمع عون من شيا أن «المفاوضات جارية مع البنك الدولي لتأمين تمويل ثمن الغاز المصري وإصلاح خطوط نقل الكهرباء وتقويتها والصيانة المطلوبة لأنابيب الغاز».

خلاصة البيان أن واشنطن وافقت على المساعي التي كان بدأها الأردن لاستثناء نقل الغاز والكهرباء عبر سوريا من مفاعيل قانون قيصر. وهذا عادت وأكّدته شيا لـ«العربية»، معتبرة أنه بالرغم من أن «إجراءات الاستيراد عبر سوريا صعبة بسبب العقوبات، إلا أن ثمة إرادة لتحقيق ذلك».

وفي السياق نفسه، نقلت وكالة الأنباء الأردنية «بترا» عن وزيرة الطاقة والثروة المعدنية هالة زواتي أن «مساعدة لبنان والشعب اللبناني كان في مقدمة المواضيع التي طرحها الملك عبدالله الثاني خلال زيارته الأخيرة للولايات المتحدة». وأشارت إلى أن «البحث مستمر في سبل تحقيق ذلك وسنقوم بكل ما نستطيع لمساعدة أشقائنا».

قوة الدفع السياسية التي أنتجها الإعلان عن باخرة المازوت الإيراني جعلت التفاؤل بإمكان حل أزمة الكهرباء بقعة الضوء الوحيدة التي رآها اللبنانيون الغارقون في العتمة وفي طوابير البنزين. فهل فعلاً ستُحّل أزمة الكهرباء؟

سريعاً يدعو عاملون في القطاع إلى عدم الإفراط في التفاؤل، لأسباب تقنية بالدرجة الأولى، وتتعلق بعدم جاهزية شبكات الربط. في المقابل، اعتبرت مصادر مسؤولة في كهرباء لبنان أن الشق المرتبط باستيراد الغاز المصري يعطي أملاً جدياً بإمكان حلّ جزء كبير من الأزمة. فإذا سارت الأمور كما يجب، يمكن أن يُسهم استيراد الغاز عبر أنابيب الخط العربي في تشغيل معمل دير عمار بالكامل على الغاز، بما يؤمن 460 ميغاواط من الكهرباء، التي يستفيد منها كل لبنان (بعد حل أزمة وصلة المنصورية الخاصة بشبكة الـ220 كيلوفولت). وما يزيد من تفاؤل المسؤولين في المؤسسة أن الصيانة الكبرى التي تجرى حالياً لأحد التوربينين، ستضمن تشغيله لـ41 ألف ساعة، أي ما يعادل خمس سنوات، علماً أن التوربين الثاني قادر على العمل لسنتين إضافيتين، قبل إجراء الصيانة الكبرى له (يضاف إلى التوربينين، توربين يعمل على البخار). فإذا ضمنت كهرباء لبنان تشغيل هذا المعمل، ستكون قادرة على توزيع الفيول العراقي على معامل أخرى، بما يؤدي إلى زيادة ملحوظة في الإنتاج.

الإشكالية الأساسية لهذا السيناريو تتعلق بواقع أنبوب الغاز في سوريا. يؤكد مطلعون على الملف أنه فيما يمكن إعادة تشغيل الوصلة من حمص إلى البداوي (32 كلم) خلال أسبوع، فإن القسم الممتد من الحدود الأردنية إلى الداخل السوري سبق أن تعرّض لأضرار عدة، بالتالي فإن إصلاحه سيتطلب مزيداً من الوقت. علماً أن مصادر سورية تؤكد أن الأعطال تطال محطات التحويل الأوتوماتيكية، والتي يمكن تشغيلها «ميكانيكياً» (من قبَل العمال) إن اضطر الأمر. علماً أن الخط ليس متصلاً بين الحدود الأردنية والحدود اللبنانية، وعندما كان لبنان يستفيد من الخط لشراء الغاز المصري وتزويد معمل دير عمار، كان يتم إجراء مقاصة في سوريا، بحيث تحصل دمشق على الكمية المصرية المحددة، وتعطي لبنان من آبارها.

لا يبدو الوضع مختلفاً في ما يتعلق باستيراد الكهرباء من الأردن. هو مُستعّد لبيع الطاقة إلى لبنان، بخاصة أنه يملك قدرات إنتاجية تقارب ضعفَ حاجته. وسبق أن وضع في أولوياته السعي إلى بيع الكهرباء إلى لبنان وسوريا والعراق. وتشير مصادر متابعة لملف الطاقة في الأردن إلى أن عمّان تواصلت مع سوريا منذ ثلاث سنوات من أجل تصدير الكهرباء عبرها إلى لبنان، إلا أن السلطات السورية رفضت التواصل مع الأردن حينها، انطلاقاً من الدور الذي لعبه في الحرب عليها.

اليوم تغيّر الوضع. والتواصل بين البلدين عاد على أكثر من صعيد، لا سيما التجاري منه. لكن المشكلة أن الشبكة متضررة في منطقة درعا. وفيما تشير التوقعات إلى أن إصلاحها ليس بالأمر العسير، إلا أن مصادر كهرباء لبنان تؤكد أن الاستفادة منها تبقى محدودة. فالربط العربي الذي يتم عبر شبكة الـ400 كيلوفولت، يصل إلى لبنان عبر محطة كسارة، التي لا تتخطى قدرتها 270 ميغاواط.

إذا ما أريد زيادة الكمية، يمكن عندها إجراء مقاصة بين سوريا والأردن. فسوريا لطالما مدّت الشبكة اللبنانية بالكهرباء. وحتى بعد أن توقّفت لفترة أثناء الحرب، عادت في تموز 2017، بناء لطلب رسمي، إلى تزويد لبنان بالكهرباء، بعدما أكد حاجته الماسة إلى نحو 100 ميغاواط. وبالفعل، تأمّنت الكمية المطلوبة، قبل أن يصل مجموع الطاقة المستجرّة من سوريا، إلى 276 ميغاواط. لكن هذه العملية سرعان ما توقّفت في خريف العام نفسه بسبب مماطلة الجانب اللبناني في دفع متوجّباته.

في ذلك الوقت، أظهرت سوريا استعدادها لزيادة الكمية المرسلة إلى لبنان إلى حدود 1000 ميغاواط. طبعاً لا يمكن للشبكة اللبنانية نقل هذه الكمية، بل ثمة حاجة إلى إعداد البنية التحتية لتلائمها. لكن الأهم أن 350 ميغاواط يمكن أن تصل إلى لبنان سريعاً وعبر اتفاق تجريه مؤسسة كهرباء لبنان لا الحكومة. كذلك يمكن لهذه الكمية أن ترتفع ما بين 150 و200 ميغاواط في غضون ستة أسابيع فقط، لتصل في مجموعها إلى ما بين 500 و550 ميغاواط يستفيد منها لبنان في غضون شهرين فقط.

حالياً الأمر مختلف. تؤكد المصادر أن المعامل التي كانت تُزوّد لبنان بالكهرباء مطفأة بسبب نقص المحروقات. ولذلك، لا يمكن تشغيلها إلا إذا تمكّنت سوريا من تأمين المحروقات، من خلال حصولها على حصة من الغاز المصري أو ارتفعت قدرتها على الاستفادة من الغاز في البادية.

يخلص مصدر مطلع إلى أن كل الخيارات المطروحة تُشكّل حاجة استراتيجية للبنان. لكن المشكلة أنها كلها تحتاج إلى الوقت ليستفيد منها. وإذا كانت أميركا قد وجدت أن من مصلحتها أن تدعم لبنان حالياً لتأمين حاجته من الطاقة، فالطريق الأسهل هو الدفع نحو تطوير الاتفاق مع العراق. وبدلاً من مليون طن من الفيول، يمكن أن ترعى اتفاقاً يرفع الكمية إلى مليونين أو ثلاثة، تكون كافية لتأمين أكبر قدر ممكن من التغذية، إلى حين تحضير البنية التحتية الملائمة ولوضع آلية تنسيق بين الدول المعنية، لاستقبال الغاز المصري والكهرباء الأردنية.