كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
بخطاب ناري غلبت عليه لهجة التحدي والتصدي وجّه أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله خطابه في العاشر من محرم. إستقى من المناسبة فحواها بنصرة المظلوم والتصدي للظالم ليرفع سقف مواجهته مع الولايات المتحدة هذه المرة. هذا فضلاً عن جملة رسائل داخلية للحليف والخصم.
في المرة الماضية إفتتح نصرالله موضوع النفط الايراني وطرحه كأحد الحلول الممكنة إما من خلال الدولة او من خلال الشركات الخاصة او ان يقوم “حزب الله” بالخطوة. وحين لم تستجب الدولة الملتزمة حكماً بالعقوبات المفروضة على ايران ومثلها فعلت الشركات الخاصة، تبرّع للمهمة. أرسل وفداً ليبحث السبل والخيارات، قام بما يلزم، عقد الاتفاقات ليعلن السيد عن وصول الباخرة المتوقع مطلع الشهر المقبل، أما بقية التفاصيل فبقيت في عهدته، له ان يعلنها متى اقترب موعد وصول الباخرة. المرجح ان المازوت المستورد لن يصل لبنان من خلال المرفأ وانما عن طريق سوريا براً عبر طريق البقاع اللهم الا اذا أعد “حزب الله” خطة مختلفة، لكن يصعب على الدولة السماح للباخرة بتفريغ حمولتها في المنشآت اللبنانية كما يصعب على الشركات الخاصة التبرع. اما آلية الدفع فهذه ايضاً ستكون بالعملة اللبنانية الوطنية بعد ان كانت ايران عرضت ذلك على لبنان اي بكلفة ليست مرتفعة، على ان يستفيد لبنان كله من المازوت والبنزين الآتي من ايران وتوزيعه لن يكون محصوراً بطائفة معينة او منطقة معينة.
منذ بداية الأزمة اتهم السيد الاميركيين بحصار لبنان وقال مراراً انه لن يسمح باستمرار هذا الحصار المحكم من خلال المصارف والمواد التموينية وغيرها. كسر الحصار المفروض من خلال المواد الغذائية ثم من خلال المحروقات وما بينهما قرار رفع الدعم. وحين تخلفت الدولة خاض قبل شهرين تقريباً مفاوضات مع وزارة الطاقة الايرانية والمصرف المركزي الايراني، حول الآلية التنفيذية لاستيراد المشتقات النفطية من ناحية دفع العملة وإدخالها الى لبنان وغيرها من النقاط المتعلقة بتسيير المعاملات.
وحين صار الاتفاق جاهزاً ووضعت اللمسات الاخيرة على الاجراءات المطلوبة وانطلقت السفينة، أعلنها الامين العام في تاريخ صودف في العاشر من محرم. وما كاد السيد ينتهي من اعلانه حتى انهالت التعليقات وحملات التخويف، ولكن كان الابرز ما اعلنته السفيرة الاميركية دوروثي شيا عبر اتصالها برئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وابلاغه قرار بلادها مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية من الاردن عبر سوريا عن طريق الغاز المصري، بعد ان كان ممنوعاً على لبنان بحجة منع كسر قانون “قيصر” المفروض على سوريا، ثم كرت سبحة صرف الاعتمادات لتفريغ البواخر المتواجدة في عرض البحر وعادت شركات أجنبية عن قرار إغلاقها في لبنان وهو ما وجد فيه “حزب الله” عاملاً ايجابياً. عملياً كسرت شيا قانون قيصر الذي سبق وفرضته بلادها على اعتبار ان كسره سيؤمن حكماً ما تصبو اليه، غير ان الواقع يقول ان المفاوضات حول المشروع وان كانت قطعت شوطاً كبيراً والملف قد انجز لكن يلزمة وقت لا يقل عن شهر او أكثر ليدخل حيّز التنفيذ، هذا في حال وافقت السلطات السورية على مرور الخطوط عبر حدودها وهي التي تشترط لذلك بحثاً لبنانياً رسمياً من خلال الحكومة وليس بمبادرات فردية من قبل الوزراء مع نظرائهم السوريين.
ليس “حزب الله” شريكاً في سوق النفط ولا دخل له في الكارتيلات، كل ما في القضية انه اراد كسر التحدي، يتمنى لو استطاعت الدولة ان تحل أزمة المشتقات النفطية والكهرباء بأسرع وقت وحتى لو من خلال الاميركيين، المهم وضع حد لمأساة الناس ووقف الذل الذي يتعرضون له. لم يقصد إحراج الدولة ولا المزايدة عليها وهل في فك الحصار عن الشعب ما يحرج؟ وايران تصدر الفيول الى دول عدة في شرق آسيا من الصين الى الهند وغيرهما وما استطاعت اميركا ان تفعل شيئا في التصدي لها. ليست لدى “حزب الله” مشكلة ومن أراد ان يأتي بالمازوت من السعودية او اي دولة كانت فليفعل ولو ارادت اميركا لرفعت الحظر عن مساعدات الدول العربية للبنان.
لا يمكن فصل ما اعلنه السيد نصرالله عن شقه السياسي لناحية كسر قرار العقوبات عن ايران والتوجه نحوها طلباً للمساعدة، مسجلاً في ذلك نقطة في الملعب الاميركي الذي وان كانت سفيرته اعلنت ما اعلنته وظهرت نظرياً كمؤشر الى السماح للبنان بالاستعانة بمصر عبر سوريا، لكن من قال إن سوريا ستقبل وما هو المقابل ولماذا تسلف مثل هذا الطلب للاميركيين اولاً وللبنان الرافض التفاوض معها ثانياً؟ أول المؤشرات يستبعد ان يكون الموضوع على سكة التنفيذ عما قريب لأسباب تقنية وسياسية، ما يعني ان المازوت الايراني والبنزين سيسبقان مشروع الغاز المصري بأشواط. هي مواجهة اشتدت حدتها قد تتكشف وجوهها في ملفات اخرى حكومية وأمنية قد لا يكون لبنان ساحتها بالضرورة.