جاء في “المركزية”:
من لحظة إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله إنطلاق “باخرة المحروقات الأولى” من إيران نحو لبنان”، بدا أن ثمة تغييرا ما في قواعد الإشتباك بين الحزب وإسرائيل. فالسفينة، إذا صح أنها انطلقت من إيران وليس الامر مجرد فقاعة سياسية، لن يكون عبورها آمناً، وسيشكل تحديا إيرانياً لإسرائيل، وشوكة في خاصرتها، أولا لأن أي هجوم عليها يعني أن صواريخ حزب الله ستسقط على سكان المناطق في شمالي إسرائيل، وربما الى ابعد ابعد من حيفا. وكان نصرالله اعلن ” أن أي هجوم غير محسوب على الناقلة المحملة بالنفط الإيراني سيعتبر هجوماً على الأراضي اللبنانية” ، وبذلك يكون الحزب قد امن مخزون دعم للرأي العام على اعتبار ان خطوة نصرالله “انسانية” بحت، وبالتالي أي رد إسرائيلي سيساهم في استعادة الحزب شرعيته ككيان يقاتل في وجه إسرائيل.
تزامنا مع إعلان نصرالله جاءت الغارة الإسرائيلية على سوريا إنطلاقا من لبنان، بمثابة رسالة تفاوتت قراءة تفاصيلها .ففيما رأى محللون أن إعلان نصرالله هو مجرد “مناورة سياسية” ولن ترد عليها إسرائيل حتى لا تعطي نصرالله “بطاقة مرور” شرعية في الدفاع عن السيادة ، قرأ البعض الآخر مفاعيل الغارة واستهداف مستودع ذخيرة تابع لحزب الله على الحدود اللبنانية-السورية ومقتل 4 من عناصر للحزب بمثابة إنذار وتهديد بالأعظم. وعلى رغم نفي الإعلام الحربي ل حزب الله خبر مقتل أي من عناصره أو حتى قصف مواقع له، تبقى كل الإحتمالات مفتوحة على الساحة اللبنانية، أحلاها علقم، في ظل عودة مسألة تشكيل الحكومة إلى نقطة الصفر والكلام عن إيداع لبنان بين فكي كماشة إيران وحزب الله. فهل بدأ العد العكسي لترجمة هذا السيناريو انطلاقا من الغارة الإسرائيلية ومفاعيلها غير الواضحة من الجانب الإسرائيلي؟
الكاتب والمحلل السياسي نوفل ضو أكد عبر “المركزية” “ان ما يحصل هو نتيجة عدم التزام الدولة اللبنانية بالحياد والنأي بالنفس وبالقرار 1701. صحيح أن للبنان حق الإعتراض على خرق اسرائيل الأجواء اللبنانية واستعمال الجو اللبناني لتنفيذ غارات على سوريا، لكن في المقابل لا يمكن التغاضي عن العمليات التي تقوم بها فصائل مسلحة من لبنان نحو شمال إسرائيل وهذا في حد ذاته خرق لكل القرارات الدولية. وكل هذا يضع لبنان في مأزق ويفتح الباب أمام الخروقات المتمادية من الجانبين”.
من جهة ثانية، لا يرى ضو أن الغارة الإسرائيلية جاءت بمثابة رسالة على إعلان نصرالله إنطلاق ناقلة محملة بالنفط من إيران إلى لبنان ويقول:” من الواضح أن إسرائيل لن تقوم بأية خطوة عسكرية ردا على إعلان نصرالله لأن من شأن ذلك أن يقوّي موقفه. في حين أن مشروع إسرائيل يتمثل بإبعاد نصرالله عن حدودها حتى لو كان الثمن تقوية ذراع حزب الله في الداخل اللبناني، وإمساكه بالأوراق السياسية والإقتصادية والأمنية وابعاد شبح فائض قوته عن الحدود اللبنانية – الإسرائيلية و كذلك إقليميا للتخفيف من وطأة إزعاجه إسرائيل وتهديد أمنها. من هنا لا أرى أن هناك علاقة أو رسالة ما من خلال الغارة الإسرائيلية وخرق الطائرات الحربية سماء لبنان وتهديدها الطيران المدني “.
بين مؤيد ومعارض قوبل إعلان نصرالله”وهذا ما تريده وتسعى إليه إسرائيل” ويضيف ضو:” على عكس ما يتوقعه بعض المحللين فإن الخلاف الداخلي الذي نشب على خلفية استخدام نصرالله نفوذه واستقدام ناقلة محملة بالنفط من إيران إلى لبنان يريح إسرائيل إلى أقصى الحدود، وأنا على يقين بأنه فيما لو صح عبور الناقلة إلى لبنان فهي لن تتعرض لضربة عسكرية من قبل إسرائيل على رغم كل الأخبار التي تؤشر لوجود سفن حربية في المياه الإقليمية اللبنانية. على عكس ذلك ستدخل الناقلة المحملة بالنفط الإيراني إلى لبنان أو ربما إلى سوريا كما لمّح البعض من دون اي اعتراض اسرائيلي وستترك للولايات المتحدة قرار الرد على خرق حزب الله قانون قيصر للعقوبات”.
خلاصة واحدة يمكن استنتاجها وهي أن ثمة قرارا اميركيا بالتخلي عن لبنان كما حصل في افغانستان؟ يجيب ضو :” هناك قرار إسرائيلي بتقوية حزب الله في الداخل اللبناني لان هذا الامر هو بمثابة ضمانة للحدود الاسرائيلية. وقد تبين ذلك من خلال الرد الإسرائيلي على قصف فصائل مسلحة تابعة لحزب الله مناطق في شمال إسرائيل، بحيث اقتصر على مناطق نائية وكأن هناك قرارا ونية بعدم إلحاق اي ضرر أو اصابات بشرية في صفوف حزب الله”.
وعن الموقف الاميركي أوضح ضو” أن لبنان بات من آخر اهتمامات الولايات المتحدة الأميركية بعد انسحاب قواتها من أفغانستان التي يتربع ملفها في اولويات اهتمامات إدارة بايدن. ويخطئ من يعتقد أن اتصال السفيرة دوروثي شيا بالرئيس ميشال عون لابلاغه موافقة بلادها على اعفاء كل من مصر والاردن من قانون عقوبات قيصر لاستجرار الغاز الطبيعي والكهرباء عبر سوريا بمثابة رد على اعلان نصرالله انطلاق سفينة ايرانية محملة بالنفط الى لبنان. فهذا الموضوع تمت مناقشته في عهد حكومة الرئيس سعد الحريري”.
أضاف: ” في الماضي كانت عبارة الشرق الأوسط وشمال افريقيا متعارف عليها في اوساط الدول. اليوم وبعد الترتيبات والمراسلات بين الدول أضيف محور جديد يضم افغانستان وايران وباكستان ومع توحيد هذه الدول في بوتقة واحدة خرج لبنان من دائرة اهتمامات اميركا وحتى اوروبا”.
ويختم ضو:” القول بأن لبنان بات في قبضة إيران او تم تسليمه لها غير دقيق. لكن هناك خطر كبير من ان تتصرف ايران وحزب الله على خلفية تعاطي الولايات المتحدة مع طالبان في افغانستان فتبدي إيران ومعها الحزب استعدادهما للتعاطي مع الامر الواقع. لكن التركيبة التعددية في لبنان مختلفة. من هنا قد نلاحظ اختلافا في طريقة التعامل مع الملف اللبناني من قبل ايران والحزب”.