Site icon IMLebanon

مقاومتنا مقاومة للحياة لا للموت

كتب د. ميشال الشماعي في نداء الوطن:

اختُتِمَ هذا الأسبوع سياسيّاً على قاعدة “راوح مكانك” حكوميّاً، فيما سجّل موضوعا النفط الإيراني والغارة الإسرائيليّة على سوريا من سماء لبنان، خرقاً أمنيّاً للسيادة اللبنانيّة. الخرق الأوّل يكمن بتجاوز “حزب الله” اللبناني قرارات السلطة التنفيذيّة، والخرق الثاني يكمن في الاعتداء على الأجواء اللبنانيّة من قبل العدوّ الإسرائيلي الذي يعمل الحزب على التّطبيع معه في مفاوضات ترسيم الحدود البحريّة بطريقة غير مباشرة.

وهذا ما يؤدي إلى الإستنتاج الآتي:

لَطَالما اعتدنا على الخروقات السياديّة من الطرفين، فهل مِن مصلحة مشتَرَكَة تجمعهما في تدمير السيادة اللبنانيّة؟ وهنا يقف اللبناني حائراً أمام ادّعاءات “حزب الله” في الدّفاع عن السيادة اللبنانيّة ضدّ العدوّ الإسرائيلي، فيما يعمل هو على خرقها بشكل متواصل من البوابة الإيرانيّة ومن بوّابة تدخّله في حروب دول الإقليم، ما فرض على لبنان قطيعة في العلاقات اللبنانيّة – العربيّة وجعله في موضع المعزول ديبلوماسيّاً من قبل معظم الدّول العربيّة التي تعمل بدورها على التطبيع العلني مع العدوّ الإسرائيلي.

من هذا المنطَلَق يطرح المواطن اللبناني إشكاليّة العداء مع إسرائيل ويقاربها من منظور فئويّ وليس من منظور وطنيّ سياديّ. وذلك لأنّه بكلّ بساطة يريد أن يهنأ بعيش كريم في قريته الجنوبيّة الحدوديّة، أو حتّى في أيّ صقعٍ من الأصقاع اللبنانيّة التي باتت مهدّدة بسبب سياسات “حزب الله”. لقد ساهم المواطن اللبناني بصموده وبقائه في أرضه التي كانت محتلّة من العدوّ الإسرائيلي بالحفاظ على هويّة هذه الأرض، وهذا ما منع تهويدها أو تحويلها ديموغرافيّاً. وذلك على قاعدة ما قاله غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظة قدّاس الذكرى السنويّة الأولى لجريمة تفجير مرفأ بيروت: “سلاح الوجود هو أمضى سلاح. بقاؤنا بحدّ ذاته انتصار على المآسي. تجارب التاريخ أثبتت أنّ الهزيمة تبدأ في النفوس قبل الجبهات. والانتصار يبدأ في المعنويّات قبل الحسم النهائي”.

فالمطلوب اليوم البقاء والحفاظ على هويّة الوطن والأمّة اللبنانيّة على تعدّديّتها وفي بقاعها كلّها من دون أيّ استثناء، من مارون الراس جنوباً حتّى شدرا شمالاً والمصنع شرقاً. هذه هي المقاومة المطلوبة، المقاومة للحياة لا للموت. أمّا السلاح غير الشرعي إن لم يوضع بيد القوى الشرعيّة فسنبقى خارج هذه الشرعيّة، وخارج القانون، وخارج الزمن الدّولي. وعندها لن ينقذنا أحد. ولا قدرة لدينا على إنقاذ أنفسنا بأنفسنا لأنّنا بسبب خيارات بعضهم الخاطئة قد قضينا حتّى على مقوّمات النّهوض.

فلا البواخر الإيرانيّة النفطيّة الموعودة كفيلة بحلّ أزمة المحروقات، ولا حكومة هجينة تخفي في كلّ ثنيةٍ منها قطباً تفخّخ عملها الدّستوري تارة بثلث معطّل وتارة أخرى بوزير ملك قد يُسقطا الهيكل في أيّ لحظة. إن لم نستعد سيادتنا ونحصّنها بوجوديّة دولتنا في صلب المجتمع الدّولي لا خلاص للبناننا. وللمبشّرين بالحرب تارة وبالتقسيم تارة أخرى نقول لهم: تعقّلوا وتعلّموا من تجارب التاريخ. فما من أحد يسعى إلى الحرب بنفسه إلا إذا كان يمتلك مقوّماتها. وواضح جدّاً مَن يمتلك السلاح، ومَن يهدّد الأميركي والعالم بأسره، خدمة لمشروعه الأيديولوجي الأممي الذي يشكّل هو وحزبه جزءاً يسيرًا منه. فـ”حزب الله” وحده هو الذي يعلن مراراً وتكراراً استعداده لأيّ حرب. وبرغم استعداد اللبناني الكياني بالفطرة لأيّ حرب كونه مقاوِماً بالطبيعة الوجوديّة البشريّة، فنحن نرفض الحرب بكلّ أشكالها ولا نريد سوى بناء الدّولة.

ما نريده لوطننا هو أن يستعيد ألقه الشرق أوسطي ووهجه الأممي. وما نريده لإنساننا اللبناني أن يعيش ويده على محراثه وليس على زناده. وما نريده من العالم بأسره أن يحترمنا ليس لأنّنا دعاة تسلّح واقتتال وقتال، بل لأنّنا دعاة معرفة وفكر وعلم وحضارة. والحلول لا تأتي من الخارج بل من الدّاخل أوّلاً. إن لم تقتنع البيئات اللبنانيّة على اختلافها بمشروع الدّولة عبثًا يبني البنّاؤون. ومخطئ مَن يسوِّق للبنّائين الجدد الذين طووا الثورة وباتوا يبحثون اليوم عن مكان لهم على قاعدة تدمير الهيكل لا بنائه. وهذا بالطبع مرفوض رفضاً قاطعاً.

على كلّ مسؤول في الدّولة اللبنانيّة، مهما اختلفت مسؤوليّته، أن يتحمّل هذه المسؤوليّة لا أن يتهرّب باستقالة أو يهرب بحجّة الـ”ما خلّونا”. وذلك لاستعادة قرارات الدّولة المسلوبة من “حزب الله” بقوّة سلاحه. وفي هذه الحالة لا تنفع الشكليّات البروتوكوليّة لتسجيل مواقف سياسيّة فيها على الخصوم السياسيّين، لا سيّما بحجّة الصلاحيّات الممجوجة. وعلى النّاس أن يتحرّروا من الاستزلام والتبعيّة ويتقنوا المحاسبة بمختلف آليّاتها، لا سيّما الانتخابيّة.

أمّا إذا أصرّ النّاس على التفاخر والتباهي بمتلازمة ستوكهولم فحريّ بنا ألا نستسلم نحن الكيانيّين الأحرار أمام تخاذل بعضهم وانهزاميّتهم واستسلامهم وقرارهم بالرحيل والتخلّي عن كلّ شيء، بل العكس تماماً. يجب أن تبقى شعلة مقاومتنا مستمرّة، لأنّها مقاومة للحياة لا للموت.