كتب مايز عبيد في نداء الوطن:
قد تكون هذه هي المرة الأولى التي يكلّف فيها طرابلسي ابن المدينة بتشكيل حكومة جديدة في لبنان وتتعامل طرابلس مع الأمر وكأنه خبر في أسفل زوايا اهتماماتها.
فمنذ اليوم الأول للتكليف الذي تخطّى مهلة الأسبوعين التي كان الرئيس المكلف نجيب ميقاتي قد ألزم بها نفسه قبل ان يمدّدها، لم تتفاعل طرابلس مع هذا التكليف كما يجب أو كما كان يُعتقد. كان تكليف ميقاتي في آخر اهتمامات أهالي المدينة وما زال، حتى الأخبار التي بدأت تنتشر في الإعلام عن قرب إعلانه اعتذاره عن التشكيل لا تجد صداها في المدينة.
يبدو أن السياسة بكل ما فيها من أخبار؛ أصبحت خارج دائرة اهتمام أهالي طرابلس أو الغالبية الساحقة منهم، وذلك لسببين اساسيين: الأول هو أن أولويات الناس في طرابلس أصبحت في مكان آخر. فالمواطن الطرابلسي اليوم مشغول بتأمين رغيف الخبز وحبّة الدواء وليتر بنزين ومازوت كغيره من اللبنانيين “المعتّرين”، يقضي بذلك الساعات الـ 24 ولا وقت إضافياً لديه ليصرفه في البحث في الدهاليز السياسية وشؤونها.
اما السبب الثاني فيكمن في أن المواطن الطرابلسي تحديداً قد خبِرَ ميقاتي في حكومتين، وبالأخص حكومة الـ 2001 التي عمّرت زمناً أطول من حكومة الـ 2005 وكان فيها 5 وزراء من طرابلس ولم تفلح في تأمين المشاريع والدعم المطلوب للنهوض بالمدينة، حتى المبالغ التي قيل وقتها أنها رُصدت لها ومبلغ الـ 100 مليون دولار لم يصل منها شيء لصالح المواطن. وقتها كانت الأمور في البلد أفضل على جميع الصعد لا سيما المالية ولم تستفد المدينة من حكومتها إن صح التعبير، فكيف الآن والبلاد في حالة انهيار؟! فهل تعوّل طرابلس المحرومة اليوم من الكهرباء والماء والدواء والمحروقات والخبز والطحين وأدنى الإحتياجات الأساسية للمواطن، على حكومة؟ وأكثر من ذلك، هل لا يزال المواطن يثق بأي أحد في هذه الطبقة السياسية وبقدرتها على اجتراح الحلول؟
وفي وقت تبدو فيه الدولة وكأنها استقالت من كل مهامها تقريباً، يبدو نواب وسياسيو مدينة طرابلس، وكأنهم قد أعلنوا تخلّيهم عن أي مسؤولية تجاه من انتخبهم، تاركين الناس في حيرة ما بعدها حيرة، يقلّعون شوكهم بأيديهم. لا حركة تُرصد لأي نائب أو مسؤول في طرابلس على أي خط للمحاولة من تخفيف وطأة الأزمة عن كاهل المواطن، باستثناء حركة سياسية ترصد للرئيس ميقاتي (نائب طرابلس) على خط تأليف الحكومة والزيارات المتتالية إلى قصر بعبدا للقاء رئيس الجمهورية، لكنها جميعها زيارات لا تُصرف في الحسابات الطرابلسية وفي أزقّة المناطق المحرومة، تماماً كما وهي لم تُصرف بعد حتى اللحظة في حساب وميزان تشكيل الحكومة في البلد.
من يتتبع الوضع الطرابلسي ويوميات الناس، يلاحظ أن جميع المسؤولين في المدينة قد غابوا عن أداء أدوارهم؛ في وقت أحوج ما تكون فيه المدينة إلى أن يقوم كل مسؤول بدوره لتخطّي هذه الأزمة الصعبة. فالمحافظ غير موجود بالمعنى العملي، وإن زار مكتبه في السراي بين الحين والآخر وأصدر بياناً من هنا أو من هناك، والبلدية بنشاطها بعيدة كل البعد من هموم الناس وتطلعاتها، ولو أقامت تكريماً من هنا أو نشاط “يوغا” من هناك. تحاول المرجعيات الدينية لا سيما القائم بأعمال مفتي طرابلس الشيخ محمد إمام مع بعض الفاعليات؛ سدّ بعض الفراغ بما تيسّر، ولكنها في النهاية محاولات صورية وشكلية لم ولا ترقى إلى مستوى التحديات التي تواجهها المدينة وأهلها، سيما وأن المرجعيات الدينية والسياسية والأمنية وغيرها، لم تكن في السابق على مستوى طموح أهل طرابلس قبل الأزمة، وبالتالي هي اليوم تبدو وكأنها قد فقدت ثقة غالبية أبناء طرابلس الذين لا يقيمون أي وزن لتصريحاتها أو لنشاطاتها، لأنها تبقى بالنسبة إليهم فارغة من أي مضمون طالما أنها لا تقدم حلولاً عملية لمآسي الناس، لا بل أكثر من ذلك يعتبر كثيرون أن هذه المرجعيات هي جزء من المشكلة وليست جزءاً من الحل.
ومع غياب دور الدولة وممثليها، تتوسع رقعة الفوضى في طرابلس وتحاول مجموعات من هنا أو هناك ملء فراغ المدينة المتروك، تارة بإشكالات وقطع طرقات، وطوراً بتهديدات وتصفيات، على مرأى ومسمع الجميع، لا سيما من الأجهزة الأمنية التي تعرف أن ليل طرابلس قد صار في عُهدة السلاح وحامليه ولا تحرّك ساكناً، لا بل تسكت وتطمر رأسها في التراب.
مسكينة هي طرابلس بكل الأحوال. فليست لها حظوظ لا من سياسيين ولا من قادة، وفي أي زمن من الأزمنة لا يُنظر إليها أكثر من ساحة لتبادل الرسائل، بينما هي تمتلك كل مقومات التنمية والتطوير والدعم للإقتصاد، ولكن لا أحد يريد أن يرى ويتصرّف.