كتب ألان سركيس في نداء الوطن:
يتأثر لبنان بسياسات المنطقة والعالم، ولا يستطيع أي فريق إتخاذ القرار بلا قراءة التطورات السياسية في الإقليم.
بدّلت الولايات المتحدة الأميركية استراتيجيتها بعد رحيل الرئيس جورج بوش، فالأخير حكم العالم بالحديد والنار وشنّ حربَي أفغانستان والعراق، ولم ينتظر قراراً من مجلس الأمن لإسقاط بغداد وإنهاء نظام الرئيس العراقي صدّام حسين.
وشهد عهد خلفه باراك أوباما بداية الإنسحاب العسكري من البؤر المتفجّرة، وأتى الرئيس دونالد ترامب مستخدماً سلاحاً أكثر فتكاً من المدفع وهو سلاح الدولار الذي دفع دولاً عدّة إلى الإستجابة للطلبات الأميركية.
وتتكشف مع مرور الأيام السياسة المتبعة للرئيس جو بايدن، إذ إنه يبدو كلاسيكياً ويراعي مصالح أميركا في العالم، وبالنسبة إلى لبنان فإن الإهتمام به تراجع نوعاً ما.
لكن الثابت في السياسة الأميركية أنّها لا تتأثر بالأشخاص، وبالتالي فحتى لو لم يكن لبنان ضمن الأولويات الأميركية حالياً فهذا لا يعني أن واشنطن تغضّ النظر عما يحصل وتعتبر لبنان أرضاً سائبة.
والجدير ذكره أن برنامج المساعدات الأميركية، وخصوصاً للجيش اللبناني، فُعّل منذ العام 2013 وزاد منسوب الدعم خلال معركة عرسال في آب 2014 وبعدها، وكانت يومها الإدارة ديموقراطية مثل الآن.
من هنا، فإن واشنطن ترسم خطّاً إستراتيجياً للبنان لا يمكن التخلّي عنه، ووفق المعلومات فإن الإدارة الأميركية جدّدت لهذا الخط، والذي يتمثّل بعدة نقاط أبرزها، عدم المسّ بأمن لبنان واستقراره، الإستمرار بدعم الجيش اللبناني، عدم السماح لـ”حزب الله” بالسيطرة على البلد على رغم نفوذه القوي، والحفاظ على المصالح الأميركية العليا، إذ إن واشنطن ترى أن لبنان ساحة نفوذ لها وهي الفريق الأقوى، وأي محاولة من أي دولة سواء كانت إيران أو روسيا للسيطرة على لبنان ممنوعة، في حين أن التواجد الذي لا يضرّ بالمصالح الأميركية لا يزعجها.
وفي السياق، كان الموقف الأميركي واضحاً من خلال زيارة السفيرة دوروثي شيا إلى بعبدا وإبلاغها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بضرورة تأليف حكومة إصلاحية، والأهمّ من هذا كلّه أن واشنطن التي تتعامل بمرونة مع تواجد “حزب الله” في الحكومة، جازمة في موضوع مشاركته بحجمه وعدم السيطرة على مجلس الوزراء من خلال الحلفاء.
وأمام الموقف الأميركي الحازم، أي حكومة تكون خاضعة لنفوذ “حزب الله” لن تبصر النور، فالأميركي جاد في هذه النقطة وحاسم، وهذا الموقف يتلاقى مع رغبة أغلبية الشعب اللبناني.
وتؤكّد مصادر مطلعة أن واشنطن لن ترسل أساطيلها إذا تألّفت حكومة لـ”حزب الله”، لكن الأكيد أن هذه الحكومة لن تنال رضاها ولن تحصل على المساعدات ولن تستطيع التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وبالتالي سيتسارع الهبوط نحو جهنم حتى ولو كانت الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي.
ومن جهة أخرى، إن الموقف الأميركي واضح في رفض مسألة إلحاق لبنان بإيران، إن كان عبر استيراد المحروقات وخرق العقوبات أو عبر السيطرة السياسية، لذلك ستجلب مثل هكذا خطوة العقوبات، وعندها سيدفع لبنان الثمن الأكبر.