سأل متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، “هل الزعماء هم مصدر الطعام والدواء والخبز والماء لكي يمنعوه عن الشعب؟ هل هم أصحاب النفط والمازوت والموارد الطبيعية ليمنعوها عن الشعب؟ أليس الرب هو من منح البشر كل الخيرات؟ فكيف يستعبد الشعب نفسه لبشر نصبوا أنفسهم آلهة، وينسى أن الله هو الإله الحقيقي؟! المطلوب من الشعب حاليا قفزة مثل قفزة الرسول بطرس داخل بحر هذا الوضع الهائج في بلدنا”، مضيفاً “يجب أن يساعد شعبنا مسؤوليه على الإستيقاظ من وهم السلطة، لأن المسؤول الحقيقي ليس إلها يستعبد الشعب ويقاصصه ويجوعه ويميته بلا دواء أو غذاء. المسؤول الحقيقي هو خادم للشعب الذي انتخبه وأوكل إليه مهمة العناية بأموره المالية والصحية والغذائية والتربوية… نحن في دولة لا تستطيع تأمين الضروري للعيش الكريم، والشعب يتخبط في آلامه ويأسه فيما ذوو السلطة يتنافسون على تقاسم قالب حلوى الحكومة الذي أصبح بلا طعم، مختبئين وراء شعارات عناوينها لافتة لكن مضمونها ضحل، لأنها تهدف إلى المصلحة الشخصية أو الحزبية أو الطائفية وما تستتبع من زبائنية تعيق الحكم عوض تسهيله”.
وأكد عودة في عظة قداس الاحد الذي ترأسه في كنيسة مار جاورجيوس، أن “الإجتماعات لا تهم اللبناني الذي يريد أن يطعم أولاده ويضيء لياليهم. الشعارات لم تعد ذات معنى فيما الدولة تذيق أبناءها العذاب والذل والموت. سيتحول لبنان كله إلى رماد بعد بيروت وعكار، والزعماء ما زالوا يجتمعون ويصرحون. شعب لبنان ليس منذورا للموت أو للتصدير. شعب لبنان يستحق الحياة وقد خلقنا الله لنحيا حياة كريمة مكللة بالفضائل ومتعالية عن كل ما يعيق الإتجاه نحو الله. ربما آن الأوان ليتذكر شعبنا صرخة الإستغاثة التي أطلقها بطرس: يا رب نجني، وأن ينسى صرخات الذل التي عوده المسؤولون على إطلاقها من أجل الحصول على أدنى الحقوق الإنسانية”.
واذ شكر للجيش “الجهود التي بذلها في الأيام الماضية ودهم المحطات وأماكن تخزين المحروقات، ذكر أن “دوره ليس ضبط المحطات بل ضبط الحدود، كل الحدود، ومنع إخراج أو إدخال أي شيء ممنوع إدخاله أو إخراجه عبر هذه الحدود، حماية للوطن والمواطنين التي هي مهمته وحده. فيما واجب الدولة وضع حد للتجار والمحتكرين والمهربين ومنعهم من استغلال المواطنين”.
وقال: “نحن نطلب إلى الله ألا يدخلنا في التجربة، لكن التجارب مهمة في الكثير من الأحيان، والجواب على هذا الأمر سمعناه في نص رسالة اليوم: “إن عمل كل واحد منا سيكون بينا، لأن يوم الرب سيظهره، لأنه يعلن بالنار، وستمتحن النار عمل كل واحد ما هو. فمن بقي عمله الذي بناه على الأساس فسينال أجرة، ومن احترق عمله فسيخسر وسيخلص هو ولكن كمن يمر في النار”. التجارب التي نمر بها هي نار تنقينا، والله يسمح بها إن كانت لخلاص نفوسنا، وليس لأنه إله قاس. الأب يقسو أحيانا على أبنائه، ويجعلهم يمرون في صعوبات، لكي يدربهم على كيفية اجتياز الأصعب بنجاح. لذلك يجب علينا ألا نلوم الله، بل أن نشكره على كل شيء، وعندما نتعلم أن نشكر تتدفق علينا مجاري النعم الإلهية. كل هذا يتطلب جرأة ونكرانا للذات. ولكي ينبت الإيمان فينا علينا أن ننقي أنفسنا من التعلق بالأشياء والأفكار والزعماء. نحن بحاجة إلى الإنعتاق من الفزع الذي تخلقه محبتنا الكبيرة لأنفسنا، عندما نواجه المخاطر، الأمر الذي ترجم أخيرا من خلال طوابير الإذلال التي أنتجها المواطنون أنفسهم، بسبب الخوف الأناني الذي قد يكون أحيانا أكبر من الحاجة الحقيقية. من الضروري جدا أن يتعلم الشعب المجازفة من الرسول بطرس. جازفوا في عدم إذلال أنفسكم للحصول على أدنى حقوقكم، قاطعوا المحتكرين والمتحكمين بحياتكم عوض مقاطعة الله، وسترون كيف سيهرعون هم تجاهكم. كيف نقاطع خبز الحياة، المعطي الطعام لطيور السماء والجمال لأزهار الحقول، الذي لن ينسانا؟ كيف نقاطع إلهنا الذي أعطانا الحرية الكاملة، ونهرع خلف مستعبدينا ومذلينا؟ ألم يحن الوقت لتصويب البوصلة؟ الحضن الأبوي مفتوح دائما، بينما مكاتب الزعماء تفتح فقط عند حاجتهم”.