كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
كشفت مصادر سياسية مواكبة للأسباب التي أدت إلى تعليق مشاورات تأليف الحكومة اللبنانية بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف تشكيلها نجيب ميقاتي، عن أن «معاودتها تتوقف على حصول تقدم ملموس في عملية التأليف يدفع باتجاه استئناف اللقاءات اليوم قبل الغد، وإلا فلا جدوى من التواصل المباشر بين الرئيسين ما دامت الأجواء الراهنة لا تشجع على معاودتها».
وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن إيفاد مستشارين من قبل عون للقاء ميقاتي كان «توقف أيضاً منذ الخميس الماضي بعد أن التقى المدير العام في رئاسة الجمهورية أنطوان شقير الأربعاء الماضي ناقلاً إليه وجهة نظر عون في مشروع التشكيلة الوزارية التي لم تحدث تغييراً يؤسس عليه لاستئناف اللقاءات».
ولفتت المصادر السياسية إلى أن ميقاتي؛ «وإن كان يحاذر الدخول في سجال مع عون على خلفية التسريبات التي يروّج لها البعض في الفريق السياسي المحسوب على رئاسة الجمهورية، بادر إلى إعلام المعنيين بالأمر بأن لا مشكلة في لقائه بعون في حال أن اللقاء سيحقق التقدُّم المطلوب الذي من شأنه أن يُحدث خرقاً إيجابياً لا لبس فيه يؤدي إلى إخراج عملية تأليف الحكومة من التأزّم لئلاً ينتهي هذا اللقاء كسابقه إلى جولة جديدة من المراوحة».
وقالت المصادر نفسها إن ميقاتي يلتقي من حين لآخر بعدد من الأصدقاء المشتركين ممن تربطهم علاقة وطيدة بعون؛ لكن لا صفة رسمية لهؤلاء، وأكدت أن الرئيس المكلف «يعطي الأولوية للولاء للوطن لوقف انهياره وللخبرة وأصحاب الاختصاص الذين يمكنهم الإسهام بالانتقال بالبلد من مرحلة التأزّم إلى الانفراج».
ورأت أن «هذه هي المواصفات التي يعوّل عليها ميقاتي في مشاوراته مع عون لاختيار الوزراء»، وقالت إنه «لا يعترض في حال توافرت لديهم هذه المواصفات والمعايير على ولاءاتهم السياسية، فيما يعترض بشدة على من لديهم هذه الولاءات ويفتقدون الخبرة والكفاية والاختصاص».
وعدّت أن ميقاتي يتطلع إلى تشكيل حكومة جديدة تكون بمثابة «فريق عمل لديه القدرة على النهوض بالبلد من كبوته وأزماته؛ لأن ما يهمه أولاً استعادة ثقة اللبنانيين بدولتهم، ومن خلالهم ثقة المجتمع الدولي للحصول على المساعدات المطلوبة التي تضع البلد على سكة التعافي المالي».
وقالت المصادر نفسها إن «الكرة الآن في مرمى رئيس الجمهورية الذي يُفترض فيه أن يقدّم التسهيلات السياسية لتسريع ولادة الحكومة»، وأكدت أن «مجرد انعقاد اللقاء يؤشر إلى اختصار المسافة على طريق تشكيلها، وبالتالي لم يعد من عوائق تعوق إخراجها من التأزُّم».
لكن مصادر أخرى تتعامل مع الاجتماع المالي الذي رعاه عون وأدى إلى إبقاء نصف الدعم على المحروقات شرط أن تتكفّل الدولة بتسديد 225 مليون دولار لتغطية تكلفته، على أنه «محاولة مكشوفة للهروب من تشكيل الحكومة، ورد مباشر على إجماع النواب؛ باستثناء (تكتل لبنان القوي) برئاسة رئيس (التيار الوطني الحر) النائب جبران باسيل، بوجوب إعطاء الأولوية لتشكيلها باعتبارها المدخل للبحث في الأزمات المتراكمة وتوفير الحلول لها».
وأكدت هذه المصادر أن عون «أراد من خلال القرار المالي الذي اتُّخذ بأن يرد الاعتبار للكسرة التي مُني بها باسيل تحت قبة البرلمان من جهة؛ وللالتفاف على التوصية النيابية التي أدت إلى حشره في الزاوية من خلال لجوئه إلى المزايدات الشعبوية لتأمين المحروقات لعله يستعيد زمام المبادرة».
ولفتت إلى أن عون «لم يكن مرتاحاً للدور الذي لعبه رئيس البرلمان نبيه بري وأدى إلى محاصرة صهره باسيل»، وقالت إن «من يبدي تفاؤله بتشكيل الحكومة لا يصر على حجب (المحروقات السياسية) عنها لإعادة تشغيل المحركات باتجاه إعطاء الأولوية لولادتها»، واستغربت «ما يروّج له البعض بأن عون تولى إيجاد الحلول للأزمة المترتبة على فقدان المشتقات النفطية وحصر بيعها في السوق السوداء لتمرير رسالة بأن لبنان ليس في حاجة إلى استيراد النفط من إيران».
وأكدت المصادر نفسها أن «لا صحة لكل ما يشاع على هذا الصعيد بعد أن قرر عون أن يلوذ بالصمت ويمتنع عن تحديد موقفه من إعلان الأمين العام لـ(حزب الله) حسن نصر الله بأن أولى البواخر المحمّلة بالنفط ستبحر بعد ساعات من أحد الموانئ الإيرانية»، وقالت إنه «من غير الجائز تكبير الحجر بوضع عون في مواجهة حليفه»، وإن «ما قام به برعايته الاجتماع المالي يبقى محصوراً في رد الاعتبار لباسيل للتعويض له عن الصفعة السياسية التي أصابته في البرلمان».
وعليه؛ فإن توجّه ميقاتي إلى بعبدا للقاء عون يتوقف على مدى استعداد الأخير للتعاون لإخراج تشكيل الحكومة من التأزُّم، وإلا فلن يُعقد هذا اللقاء الحاسم إذا كان يشكّل استمراراً للقاءات السابقة، مع أن تفاؤل عون بقرب ولادة الحكومة لن يُصرف في مكان ويبقى للاستهلاك المحلي في محاولة ليرفع عنه مسؤولية التعطيل، وإلا؛ فعليه أن يترجم أقواله إلى أفعال ولو لمرة لقطع الطريق على إقحام البلد في أزمة مديدة.
ويبقى السؤال: كيف سيتصرف عون لإعادة تحريك ملف تشكيل الحكومة؟ وهل لديه نية للوصول بها إلى بر الأمان؟ أم إنه مرتاح لوضعه الحالي بترؤسه اجتماعات مجلس الدفاع الأعلى بديلاً عن الحكومة المستقيلة الذي يشارك رئيسها حسان دياب بصورة استثنائية في بعض اجتماعاتها فيما البلد يغرق في أزماته ولا حلول لها إلا بحكومة جديدة؛ لأن المراوحة التي تبقى على لقاءاته بميقاتي لم تعد مقبولة، وتكرارها لا يجدي نفعاً.