كتب ناصر زيدان في صحيفة الأنباء:
تبدو الرهانات الجديدة خطوات في المجهول، وهي تؤجل الحلول وتزيد الوضع المتردي تعقيدا، بينما المطلوب للبدء بالحلول طريق واحد، وهو الإسراع في تأليف الحكومة، وقد حصل أن تم الاتفاق على التأليف ثلاث مرات بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي وفق ما أشار مصدر وثيق الاطلاع، وبدا أن كلام العصر يمحوه المساء. وحصل مثل هذا السيناريو التعطيلي في تجربتين سابقتين منذ أكثر من عام مع رئيسين مكلفين هما مصطفى أديب وسعد الحريري، والاثنان تحملا الإهانات الشخصية وصبرا كثيرا، لكنهما أفشلا رغم أنهما كانا يحظيان بتأييد محلي وخارجي كبيرين، لاسيما من طائفتهما. وتفشيل الرؤساء المكلفين على التوالي، بدأ يأخذ أبعادا مقلقة في أوساط الطائفة السنية، والنار تغلي تحت الرماد السياسي باعتبار أن الموضوع لم يعد يتعلق بتحصين حصة فريق رئيس الجمهورية الوزارية، بل بإفهام الجميع أن عملية تأليف الحكومة هي من مهام الرئيس ميشال عون بالدرجة الأولى مهما كان رأي الأكثرية النيابية.
رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل تحدث بعد جلسة مجلس النواب، التي ناقشت رسالة رئيس الجمهورية، كما لو أنه الرئيس بذاته، مما أكد أن الرئيس عون لا يتخذ أي قرار من دون علم باسيل، أو أن باسيل لا يفصل بين مواقف التيار ومواقف الرئاسة، وقد تحدث الاثنان عن تعطيل مؤسسات الدولة، بينما مسؤولية هذا التعطيل تقع عليهما بالدرجة الأولى.
أكدت التجارب أن رهانات باسيل الماضية كانت خاطئة، وأدت إلى ما أدت إليه من تدهور على كل الصعد، والرهانات الجديدة يبدو أنها فشلت قبل أن تولد، ونتائجها كانت عكسية، فلا رمي كرة نار الدعم المالي للسلع التي تهرب على الآخرين نجحت، ولا محاصرة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة من خلال مجلس النواب نجحت هي أيضا، وعلى العكس من ذلك فإن توصية جلسة مجلس النواب فيها تحميل مسؤولية عما جرى للذين يعطلون تأليف الحكومة، ومن المعروف أن بعبدا هي المسؤولة عن ذلك، ورياض سلامة خرج منتصرا بعد الجلسة، لأن النواب بغالبيتهم رفضوا المس بالاحتياط المالي الإلزامي المتبقي في مصرف لبنان.
هروب فريق الرئيس إلى الأمام من خلال ابتكار بدع تبريرية للفشل في إدارة ملفات الكهرباء والمحروقات والدواء والطحين، وفي عدم إصدار البطاقة التمويلية حتى اليوم، وفي عدم القدرة على ضبط الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، لا يفيد بشيء، والرأي العام يعرف أن غالبية هذه المشكلات ناتجة عن سياسة التعطيل، وعن إخفاق في الرؤى، وعن سوء إدارة، وقد انكسرت «الجرة»، ولم يعد الوضع المأساوي الذي تعيشه الناس يسمح بالسكوت مقابل جوائز ترضية قد يمنحها باسيل للجمهور المسيحي على اعتبار أن مواقف عون تهدف لتعزيز صلاحيات الرئاسة، ذلك أن هؤلاء متضررون أكثر من غيرهم من الانهيار، وسياسة العهد أدت إلى تدمير لبنان الذي يحلمون به في غفلة تخلي، وحزب الله المستفيد الأول من الوضع الراهن أصبح محشورا مع جمهوره وأمام اللبنانيين، ولم يعد قادر على تغطية التهور السياسي والمالي الحاصل.
ليس مفهوما على الإطلاق لماذا يعيد الحكم إنتاج رهانات جديدة أثبتت فشلها، وخطوة عدم رفع الدعم حتى نهاية شهر سبتمبر التي اتخذها الاجتماع الخماسي في بعبدا، ستزيد من إذلال المواطنين، ولن تتوافر السلع الأساسية أمامهم، وهي تكلف الخزينة 225 مليون دولار، أي أكثر من كلفة البطاقة التمويلية التي يؤخرون إصدارها لأربعة أشهر.