كتب بديع يونس في “العربية”:
“ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل”. يبدو أنّ العيش قد ضاق على اللبنانيين مع إصابة الأمل في مقتل. الحل معلوم وقرار الحلّ مغيّب. يتساءل اللبنانيون في الشارع كما في صالوناتهم المظلمة (مع انقطاع الكهرباء) حول مصير الحكومة والسؤال الأساسي: متى الحكومة؟ هل هناك حكومة؟ لكنه يفوتهم السؤال الأهم: هل تخرجنا الحكومة الجديدة المنتظرة من أزماتنا؟
يحاول الساسة كل وفق دوره إظهار أنّ الخلافات على الحقائب هي المعضلة الرئيسة. يظهرون غرقا في تفاصيل الوزارات وتراشق الاتهامات. لكن، إن أراد حزب الله حكومة هل كان الرئيس عون وباسيل ليسيرا بها؟ الجواب “نعم”، وقد أثبته التجارب بعد 2006 خصوصا مع “تبعيّة” التيار الحر لحليفه حزب الله في كل مفترق حتى لو كان ذلك على حساب المواقف الشعبوية ونقيضها على مر سنوات. إذن، هل كل العرقلات مدروسة وكل يلعب دوره الذي كتبه له حزب الله ومن ورائه إيران؟ وبالتالي، هل يريد حزب الله حكومة أم أنّ كل ذلك لعبٌ في الوقت الضائع؟
فتراشق الاتهامات مدروس وعرقلات “الأفرقاء – الحلفاء” لحزب الله دور مكتوب في خبايا الاتفاقيات السابقة (اتفاق مار مخايل على سبيل المثال).
فكان المعطّل رئيس الجمهورية وتياره السياسي وعلى رأسه صهره جبران باسيل، أو تسمية سعد الحريري وعرقلة التشكيل على مدار 9 أشهر انتهت باعتذاره، أو نجيب ميقاتي الذي يبدو أنّ طريقه لن يختلف عن سابقيه. كل ذلك سيناريو مكتوب في طهران ويلعب كل منهم دوره برضاه أو بـ”سذاجته”. فيؤخذ على كلّ من قبل التكليف أنّه أعطى الوقت المرجو لحزب الله لإطالة الأزمة حتى لو انتهى بكل رئيس مكلّف الحال إلى الاعتذار ليعود لبنان إلى نقطة الصفر بملف التأليف.
فالمشكلة الأساسية اليوم ليست بتشكيل حكومة من عدمه، بل بإنهاء مأساة اللبنانيين. فالحلّ الوحيد يكمن بحكومة مستقلة غير حزبية من اختصاصيين يسترجعون ثقة المجتمع الدولي وصندوق النقد. فإن تشكّلت حكومة على شاكلة حكومة دياب (التي سُميت بحكومة حزب الله) أو تشكّلت أخرى بعيدا عن شروط المجتمع الدولي وصندوق النقد فإنّ الوضع سيبقى على حاله. فلبنان لا يحتاج حكومة بل يحتاج إنقاذاً. يحتاج إقفال المعابر غير الشرعية وسيطرة الدولة على المرفأ وعلى المطار، كما منع التهريب والتهرّب الجمركي، ووقف التلاعب بالدولار. يحتاج لبنان استعادة قرار الحرب والسلم ومنع تحويل لبنان منصة سياسية وإعلامية ضد العالم العربي. كما يحتاج لبنان خصخصة ملف الكهرباء كما محاربة جدية للفساد.
بدون كل ذلك، أي حكومة حتى لو كان على رسأها “طوبوياً” لن تنقذ لبنان. فمصالح البلاد والعباد تصطدم بمصالح حزب الله وحلفائه، أكان بالتهريب (الذي يعتبره جزءا لا يتجزأ من المقاومة)، أو المرفأ الذي يستخدمه الحزب لإدخال وإخراج ما يحتاجه بدون حسيب أو رقيب، كما مطار بيروت و”خط المقاومة” غير المراقب فيه. أما في ملف الكهرباء، فحليفه (التيار الحر الذي يسيطر على وزارة الطاقة منذ أكثر من 10 سنوات) لن يستغني عنها مجانا. هذه أمثلة وليس كل الحكاية لكنها غيض من فيض حول مصالح اللبنانيين التي تصطدم بحائط مصالح حزب الله.
وعلى وقع كل ذلك، بحكومة أو بدونها، لا خلاص للبنان إلا باستغناء حزب الله عن مصالحه لصالح الشعب اللبناني. فتضارب المصالح هو سبب الأزمة الأساسي، وبدون توافق لا حلول تلوح في الأفق.
في عظته الأخير يوم الأحد 22 آب، اعتبر البطريرك الراعي أنّ الأفرقاء “لا يريدون حكومة”. فعلاً، قد لا يريدون حكومة، لكن إذا اضطروا آنيا على وقع استفحال الأزمة، سيشكّلون واحدة، ليبقى التساؤل الأساسي حول جدوى التشكيل بدون تغيير للـSTATSU QUO . فهل التشكيل سيغيّر الواقع إذا لم تكن نية الإنقاذ في الحسبان ولم يتم الالتزام بمعايير الانقاذ التي حددها صندوق النقد الدولي؟ فكل شروطه تتنافى مع مصالح حزب الله.. وإنّ الغد لناظره قريب!